المعارضة الوفية.. والمعارضة الغبية!!
ينبغي أن نتساءل اليوم لِمَ يوحي مصطلح المعارضة عندنا بمعان في الغالب لها صلة بالعنف والفوضى وتهديد أركان الدولة والمساس بالنظام العام، في حين يوحي في الديمقراطيات الغربية ومنذ تاريخ قديم بالتوازن والوفاء والاستقرار والتداول على الحكم؟ هل تمكنت السياسات الإعلامية الغربية وحلفاؤها في المنطقة من شيطنة المعارضة في بلداننا، ولماذا؟ أم نحن السبب؟ وما الذي ينبغي أن نقوم به لكي نصحح دلالات المصطلح وأبعاده اليوم قبل الغد؟
لماذا تُسمي بريطانيا معارضتها منذ سنة 1826 بالمعارضة الوفية لجلالة الملكة، كتعبير عن التزامها بخدمة الدولة، وتُنشئ موقعا لزعيم المعارضة في النظام السياسي، وتُكلفه بمهمة يتقاضى عليها راتبا تماما مثل رئيس الوزراء، وإلى جانبه تُنشئ حكومة ظل تقوم بمراقبة الحكومة الفعلية؟ ولماذا تعمل الديمقراطيات الغربية كل حسب تاريخ نظامها السياسي وتطور أوضاعها الداخلية على أن تتمكن المعارضة من لعب أدوار إيجابية في تسيير الشأن العام، وفي التداول على الحكم، وتوازن السلطات، إلى درجة أن وصفها البعض بالمرفق العام شأنها شأن الوزارات والهيئات والمؤسسات الرسمية؟
في حين مازال مصطلح المعارضة في بلداننا يثير هواجس لدى البعض ومخاوف عند الآخرين ولا يستقيم في الكثير من البلاد العربية إلا إذا ارتبط بغباء، بالعنف والعمل المسلح والفوضى والاضطرابات كما هو الشأن اليوم في سورية ومصر وليبيا والعراق وغيرها من البلاد العربية؟
يبدو أن المسألة تتعلق في مقام أول بدرجة وعي الطبقة السياسية وبدرجة النضج الذي وصلته التجربة الديمقراطية، وفي مقام ثان بالدور السلبي الذي تلعبه القوى الدولية في بلداننا لأجل منع أي تحول سلمي وسليم بها، والزج بها، بدل ذلك، في أتون اضطرابات تساعد على ابتزازها أكثر والسيطرة على ثرواتها واستخدامها أدوات لخدمة مصالحها الإستراتجية كيفما تريد.
ولعل هذا ما يجعلنا اليوم نقول وجزء كبير من المعارضة الوطنية تعقد جلساتها لتقييم الوضع في بلادنا، أننا ينبغي أن نُثمّن هذا الجهد الذي بقوم به وطنيون مخلصون من مختلف المشارب الفكرية والسياسية لكي نعزز التجربة الديمقراطية في بلادنا ونعلن وإلى الأبد موت تلك المعارضة الغبية التي ارتبطت بالعنف والفوضى والاضطراب، أو تم ربطها عنوة بذلك، ضمن هذه الإستراتيجية أو تلك… وفي المقابل نؤكد تأسيس معارضة وفية للدولة تستطيع أن تكون بديلا أفضل للحكم وتضع حدا لكل احتكار للسلطة، اليوم عندما تكون خارجها وغدا عندما تصلها وتتشكل معارضة أخرى.. بالطبع وفية مثلها وليست غبية كغيرها…