الرأي

المعجزة الجزائرية؟

يقدم لنا المشهد السياسي الجزائري في الآونة الأخيرة، نماذج كل جديد منها، يُنسينا في الذي سبقه، للأسف، في غرابته ودهشته، وكلما كذبنا على أبصارنا وبصيرتنا وأوهمنا أنفسنا بأن ما يقابلنا هو أرض أمان، إلا واتضحت بأنها مجرد سراب يحسبه الضمآن الجزائري ماء، وهو كسراب بقيعة، إذا جاءه لم يجده شيئا.

وعندما يتصوّر وزير جزائري _ لم يباشر عمله الملموس بعد_ بأن المواطن البسيط الذي لا يكاد يعرف إسمه، في غياب عمله، سيصدق حكاية “اللوبيهات” الداخلية والخارجية التي تريد بعثرة جهده الذي يبذله لصالح البلاد والعباد، ضمن ما يعرف بالمؤامرة الخارجية، فمعنى ذلك أن السراب الذي نحسبه ماء، قادر على الاندثار والاختفاء عن بصرنا وبصيرتنا.

 وكل هذا قد نقبله أيضا، لأن هذا الوزير أو ذاك الذي ظهر إسمه في موقع ويكليكس أو وثائق بنما، سار على نهج أسلافه الذين يحملون في حقيبتهم الوزارية أو القيادية وثيقة التبرير، حتى قبل أن توجه لهم التهمة، بل حتى قبل أن يرتكبوا زلاتهم، ولكن من غير المقبول أن يحصي هذا المتهم أو غيره المنّة التي قدموها للجزائريين، كأن يفاجئنا السيد عبد السلام بوالشوارب برقم الثلاثة مليارات التي وفرها للدولة الجزائرية منذ أن حمل الحقيبة الوزارية، مما جعل “أعداء الأمة” يتربصون به ويخطّون إسمه في أوراق بنما، التي زلزلت دولا كبيرة وهزت عرش الكثير من الذين زعموا بأنهم صُناع الديمقراطية والشفافية والعدالة في أوروبا.

السيد عبد السلام بوالشوارب تحدث بالمختصر “غير المفيد”، أمام أصدقائه في البرلمان الذي كان عضوا فيه قبل أشهر قليلة، ووعد بمراسلة الرئيس، وبين لعاب كلامه في مجلس الشعب، وحبر أوراقه المرسلة للرئيس، غرقت كل الأسئلة التي طرحها المواطن البسيط، الذي فقد الأمل في إيجاد الحلول لمشاكله وللألغاز التي تحاصره، وصار حلم حياته الأول والأخيرة معرفة الحقيقة فقط، فقد صار كل من تأتيه ريح داخلية أو خارجية، إلا وراح يعدّ علينا ما قدمه للجزائريين، فواحد حرّرهم من العبودية وآخر جنّبهم الطاعون والبقية أنقذونا في سنوات الجمر، ومنعوا عنا رياح الربيع العربي، وآخرهم وفّر لنا ثلاثة مليارات دولار عدا ونقدا ومن العملة الصعبة، بأفكاره النيّرة التي أنقذت الجزائر من الانهيار بعد أن تهاوت أسعار النفط إلى الحضيض.

للذي لا يمتلك معلومات وفيرة في التاريخ والجغرافيا، نذكركم بأن بنما بلاد حباها الله جمالا طبيعيا ممزوجا بالبراكين، وهي بلاد تقع في وسط أمريكا الجنوبية، بين الكاريبي والمحيط الأطلنطي، ولا تحدها من البلدان سوى كوستاريكا التي لا يعرف أي جزائري عاصمتها، ولم تمتلك الجزائر معها ومع بنما أية علاقات ديبلوماسية، ولم يسكنها أي جزائري ضمن ثلاثة ملايين نسمة الذين يقطنون هذا البلد التي لا دين لشعبه المكوّن من الهنود الحمر والمولانتو والمستيزو، والذين لا لغة لهم سوى الإسبانية أو الهيستيزو الساحلية.

 بربكم أليس إعجازا أن يعرف جزائري هذا المكان الموجود في “الثلث الخالي”، ويعرف بنوكه؟

مقالات ذات صلة