الرأي

انبعاث الدبلوماسية الجزائرية.. البداية من ليبيا

حسان زهار
  • 1506
  • 11
ح.م

يحق لنا اليوم، أن نتحدث بارتياح كبير وفخر أيضا، أن الدبلوماسية الجزائرية، قد عادت وعادت بقوة أيضا، وهذه المرة من البوابة الليبية.

ما يحدث الآن في الجانب الدبلوماسي للجزائر الدولة، بعد أن استعادت الشرعية عقب انتخاب الرئيس تبون، مهم ومهم جدا، ويحتاج ليس فقط إلى وقفة، وإنما إلى بعث رسائل عرفان وتقدير، للطواقم الدبلوماسية الجديدة التي بدأت تشتغل، والتي أظهرت لحد الآن حنكة غير متوقعة، وقدرة جيدة على فهم المتغيرات من حولنا، وعلى التحرك المحسوب والدقيق تجاه التعامل مع الملفات الأكثر سخونة، وعلى رأسها الملف الليبي المعقد.

ما يحدث، يعد بحق نقلة نوعية لدور ضيع ملامح قوته، منذ أن استحوذ الرئيس المستقيل على مقاليد الدبلوماسية، ومنع الكفاءات الوطنية من التعامل معها، واعتبرها حكرا عليه هو وحده، بزعم الحنكة الفارغة.

في ظرف أيام فقط، بعد انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة، أخذت الدبلوماسية الجزائرية تستعيد روحها الذي نزع منها عنوة، وبدأت الجزائر العاصمة، تتحول شيئا فشيئا إلى محطة دولية مهمة، يقصدها الزعماء، وتهاتفها مراكز القرار الدولي، وهو الأمر الذي كدنا ننساه من قبل، كما كدنا أن نكفر بحقيقة “الدولة الإقليمية” في المنطقة.

في ظرف أيام، دعا أردوغان الجزائر إلى المشاركة في مؤتمر برلين الخاص بالقضية الليبية، وهاتفت ميركل الرئيس تبون لزيارة ألمانيا، وحضور الجزائر كعضو في مؤتمر برلين، واستقبلت الجزائر فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي للحكومة المعترف بها دوليا، ووزير الخارجية التركي شاويش أوغلو، وهي تستعد لاستقبال الرئيس التونسي، ووزير خارجة ايطاليا.

بما يعني أن الجزائر مقبلة على استرجاع مكانتها الدولية الضائعة، وتحول عاصمتها إلى احدى عواصم القرار الإقليمي، بالقدر الذي يتناسب مع قوتها البشرية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة.

وهنا يكفي أن نتتبع ملامح الدور الجزائري في الموضوع الليبي، حتى ندرك أن عقولا مستنيرة استلمت الملف، وبدأت تشتغل تحت قيادة الرئيس المنتخب، على بلورة موقف وطني، قادر على حلحلة القضية، مع حفظ مصالح الجزائر الاستراتيجية.

ولعل أبرز تلك الملامح، التي حددت الإطار العام للتحرك الجزائري، هو اعتبار الهجوم الذي قاده الضابط المتقاعد خليفة حفتر وداعموه، بأنه “عدوان عسكري”، تقوم به ميليشيات وليس جيش وطني، وأن طرابلس بالنسبة للجزائر، هي “خط أحمر” لا ينبغي تجاوزه، كما لا يمكنها أن تقبل بتدميرها كما دمرت بنغازي من قبل.

ومنها أن حكومة الوفاق الوطني في طرابلس هي الحكومة الشرعية المعترف بها، والتي لم تظهر أي عداوة للجزائر، بل بالعكس كانت دائمة التودد للجزائر، وقد طالبت أخيرا بتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك مع الجزائر، بينما حفتر الذي سبق له وأن هدد بنقل الحرب الى الداخل الجزائري، في 8 سبتمبر 2018، ليس له صفة عسكرية أو سياسية، وأنه هو الطرف المعتدي.

كما أن القوى الدولية والإقليمية التي تدعم حفتر في حربه على طرابلس، تكون قد تجاوزت ما هو مسموح به جزائريا، بقرار الهجوم على طرابلس، عبر استغلال الوضع الذي عاشته الجزائر، والدليل أن الهجوم الأول على طرابلس جاء في 4 أبريل، أي مباشرة بعد اندلاع الحراك الجزائري، في حين جاء الهجوم الثاني الأخير مباشرة بعد نجاح الانتخابات الرئاسية عندنا.

بينما القوة الدولية الوحيدة تقريبا، إذا ما استثنيا قطر، المساندة لحكومة الوفاق هي تركيا، كانت أعربت عن رغبتها صراحة في إشراك الجزائر في الحل، بل أن الاتفاق البحري الذي أبرمته أنقرة مع طرابلس بخصوص ترسيم الحدود البحرية، فيه فائدة مباشرة للجزائر، كونه يقطع الطريق على إسرائيل لمد أنبوب للغاز ‘لى اوروبا.

وبالمحصلة، فإن إدراك الدبلوماسية الجزائرية، التي يبدو أنها تخلصت بشكل كبير من بعض التأثيرات الخارجية، وعلى رأسها الخليجية منها، لكل هذه الأبعاد المتداخلة، تجعلها بصدد صناعة مجدها من جديد، وعلى أسس صحيحة.

ذاك المجد التليد الذي ضيعه بوتفليقة، بعد أن كان بناه من قبل الراحلان هواري بومدين ومحمد الصديق بن يحيى.

 

 

مقالات ذات صلة