انتهازيون يزاحمون الفقراء في موائد الإفطار..ليدخروا أموالهم!
مطاعم الرحمة سنة حسنة، اعتاد كل محتاج وفقير التوجه نحوها لسد جوعه أو ظمئه، لكن الخارج عن المعتاد هو التحاق البعض من ميسوري الدخل بمقاعد هذه المطاعم التي هي في الأصل ليست من حقهم، غير أن رائحة الأطباق الشهية أغوتهم، منتهزين الفرصة للادخار وتوفير أموالهم في شهر الفضيلة والغفران، ولا يقفون عند هذا الحد بل ينتظرون لساعات في الطوابير طمعا في قفة رمضان.
رمضان.. مطاعم الرحمة وجهة كل فقير وعابر سبيل
ها هو شهر رمضان قد أقبل، ليبدأ التنظيم لفصل من فصول التضامن والتكافل الاجتماعي، ألا وهو مطاعم الرحمة، التي هي وجهة كل صائم عابر سبيل قريب أو غريب، من متأخر عن موعد الإفطار أو مشرد لا سقف له يأويه ولا مورد رزق يطعمه، ولا شربة ماء ترويه.
هي كثيرة ومتعددة، تفتح أبوابها في شهر الفضائل واليمن والبركات، تستقطب كل فقير مسكين، وعلى قدر ما هي رمز من رموز القيم ومكارم الأخلاق، على قدر ما هي تجسيد لمعاني الفقر والمعاناة، وهذا ما أكده لنا “سمير” 38 سنة، والذي التقيناه في أحد المقاهي في حسين داي، معبرا عن أسفه لكثرة هذه المطاعم في بلادنا باعتبارها في رأيه فضاء للفقر قبل أن تكون لمد يد العون لكل محتاج.
أما “محمد” 30 سنة، والذي صادفناه أمام محطة الترامواي، فيقول إنه كغيره ممن يتركون متاع الدنيا وانشغالاتها ويجرون وراء الحسنات يستهدفونها بانضمامهم لمطاعم الرحمة، لعلهم ينالون أجرا من ورائها، حيث يقول “مطاعم الرحمة مسخرة لنيل الحسنات من خلال لقمة حلال شهية، زكية، تشبع الجوعان، حيث يتصدر مائدة رمضان الطبق الرئيسي المتمثل في الشربة وعدة أطباق تقليدية، تقدم في هذا الشهر الفضيل التي تضفي على مطاعم الرحمة نوعا من الحميمية والدفء العائلي”.
فرصة للتوفير والادخار ومزاحمة الفقير
قد يكون في مجتمعنا من أغرتهم شهوات الدنيا، لاسيما ونحن في شهر الفضيلة، فتجدهم يحجزون مقاعد لأنفسهم في مطاعم الرحمة، مع أنهم قادرون على إطعام ستين مسكينا، غافلين وساهين عن أن هناك من هم أحق منهم بلقمة ساخنة تشبعهم، لا لشيء سوى لادخار تكاليف هم في غنى عنها شهرا كاملا، وفي هذا يقول “أحمد” 42 سنة، إن جاره كان في كل يوم من رمضان يسرع متخفيا إلى مطعم الرحمة، بعد أذان المغرب مباشرة، تاركا وراءه زوجته وأولاده ومائدته.
وآخرون أنهكتهم أسعار الخضر التي وصلت إلى أثمان خيالية تفوق قدرتهم الشرائية، إضافة إلى اللحوم بمختلف أنواعها والتي لا يستطيع ذوو الدخل المتوسط والضعيف الاقتراب منها، ويجدون في مطاعم الرحمة ملاذا آمنا لهم، وهذا حال “عمي أحمد”، حيث يقول “أصبحت أكتفي بالنظر إلى مختلف الأسعار وأحيانا أعود إلى المنزل وقفتي خالية، وأصدقكم القول أني كثيرا ما أتجه إلى مطاعم الرحمة قصد نيل بعض الأطباق التي أشتهيها عائدا بها إلى المنزل”.
وهناك من يتجه صوب هذه المطاعم للادخار ليس إلا، و”سمير” من الجلفة واحد منهم، والذي يعمل في مجال المتاجرة بالمواشي، حيث قال إنه لا يسعه سوى حجز مقعد في هذه المطاعم لتعويضه عن حنان ودفء العائلة، ويضيف أنه يقوم بادخار وتوفير بعض المال الذي يذهب هنا وهناك، خاصة في المطاعم، لمحاولة صرفه بعد شهر رمضان أي في العيد المبارك.
.. ويطمعون حتى في قفة رمضان
ومع قدوم كل شهر من رمضان، تبدأ صور الفقر تتجلى في مجتمعنا بحشود من الناس في شكل طوابير أمام كل بلدية، من أجل قفة لا تسمن ولا تغني من جوع، ويبدأ المحتاجون والمحتالون يتنافسون عليها، وتتعدد الطرق لذلك بين تزوير وانتحال شخصية ليصنفوا في خانة الفقراء المزيفين، لا لشيء سوى من أجل لتر زيت وبعض الفرينة، وفي هذا يقول “سيف الدين” من بسكرة “كنت في إحدى لجان البلدية الخاصة بتوزيع قفة رمضان، وقد وقفت على الكثير من الحالات الغريبة، كحال رجل عنده من المال الكثير، إلا أنه كان يتصدر الطوابير لمزاحمة الفقراء على قفة رمضان، فلما سألته عن سبب حضوره، أجاب بأنه لا يكسب قوت ليلة واحدة”.
بمقابل كل هذه الحالات التي تناولناها، نجد البعض ومع أنهم فقراء ومحتاجون، إلا أنهم لا يطالبون بحقهم في “قفتهم”، معتبرين إياها وسيلة للتشهير بهم وإهانة في حقهم، بسبب ما تحويه هذه القفة من مواد رخيصة ولا تكفي لمتطلباتهم.