-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

انظروا على ماذا يحاسبون حكامهم!

فيصل القاسم
  • 14150
  • 27
انظروا على ماذا يحاسبون حكامهم!

“المستقبل السياسي لـغوردون براون رئيس حزب العمال البريطاني الحاكم في خطر”، “حملة براون الانتخابية على كف عفريت”، “لقد ارتكبت خطأً فادحاً يا براون”، “كيف لك أن تقترف مثل هذا الفعل الشنيع؟”، “لقد سقطت يا بروان سقوطاً مريعاً”.

لا شك أن القارئ لهذه العناوين الواردة في وسائل الإعلام البريطانية على مدى الأيام القليلة الماضية سيظن، دون أدنى شك، أن رئيس الوزراء البريطاني قد اقترف جريمة نكراء، وإلا لما جاءت التعليقات بهذه القسوة والشدة. لكن الحقيقة ليست بهذا الهول الإعلامي أبدا. فلا يذهب بكم التفكير بعيدا جدا. إن الجريمة التي ارتكبها براون أسخف من سخيفة بمقاييسنا العربية الغراء، ولا تستحق حتى التعليق أو الذكر العابر، فما بالك أن تصبح مانشيتات للصحف الشعبية والرصينة على حد سواء في بريطانيا. هاكم تفاصيل القصة التي هزت بلاد الانجليز قبل التعليق عليها.

كان رئيس الوزراء البريطاني زعيم حزب العمال يتحدث أثناء حملته الانتخابية إلى سيدة بريطانية تدعى جيليان دوفي وهي متقاعدة تبلغ من العمر خمسة وستين عاما. وما أن انتهى من الحديث إليها، وركب السيارة مع مرافقيه حتى وصف السيدة بأنها “متعصبة جدا”، ظنا منه أن لا أحد يستمع إلى تعليقه غير مرافقيه. لكن، ومن سوء حظه، كان المايكروفون اللاسلكي الذي كان يستخدمه خلال الحديث ما زال معلقا على جاكيته، فقام صحفي بتسجيل العبارة القنبلة بالمقاييس البريطانية. وجاء تعليق براون بعد أن وجهت السيدة نقدا لسياساته في معالجة الدين العام وتلك المتعلقة بالهجرة. وبثت كافة وسائل الإعلام البريطانية التسجيل الصوتي ما اضطر رئيس الوزراء إلى تقديم اعتذاره على هذه الكلمات وزيارة منزل السيدة للاعتذار لها بشكل شخصي عن التصريح الذي مثل ضربة كبيرة لشعبيته قبل أيام من الانتخابات العامة.

وبعد أن أمضى براون أربعين دقيقة في منزل السيدة، قال في تصريح مقتضب للصحفيين إنه مثل المذنب التائب، وإنه “أحيانا تنطق بأشياء لا تقصد أن تقولها، وأحيانا تقول أشياء بطريقة الخطأ، وأحيانا تقول أمورا ترغب في تصويبها بشكل سريع”.

وكان براون قد اعتذر عن تلك التصريحات في مقابلة على راديو “بي بي سي” حيث ظهر مرتبكا ومحرجا وقام بإخفاء وجهه بإحدى يديه عندما قام المذيع بتشغيل التسجيل الصوتي وهو ينتقد السيدة دوفي.

ومن جانبها قالت السيدة دوفي، والتي تحولت بشكل مفاجئ إلى محور لاهتمام وسائل الإعلام التي توافدت على منزلها: “أنا منزعجة، فهو شخص متعلم، لماذا يتفوه بكلمات مثل هذه؟”. وذكرت قبل لقائها الثاني مع براون بأنها ستمتنع عن الإدلاء بصوتها بعد الوصف النابي الذي أطلقه براون عليها.

ومن جانبه، قال الرجل الثاني في حزب المحافظين جورج اوزبورن عبر محطة “سكاي نيوز”: “اكتشفنا ما يعتقده رئيس الوزراء فعلا”. وتابع “أعتقد أن الأمر غني عن التعليق، وإنه سيتحتم على رئيس الوزراء تقديم الكثير من التوضيحات”.

لا شك أنكم تهرشون رؤوسكم تعجبا على سخافة هذه الحادث وعلى الضجة الإعلامية والسياسية التي رافقته في بريطانيا. ولا شك أنكم تتساءلون: هل هذه جريمة رهيبة كي يتعرض رئيس الوزراء المسكين لكل هذه الانتقادات والهجمات الإعلامية والسياسية والشعبية؟ أليست أمرا في غاية البساطة والسخافة. لا شك أنه أمر تافه جدا من وجهة النظر العربية.

تصوروا، يا رعاكم الله، كيف قامت الدنيا ولم تقعد لمجرد أن رئيس الوزراء البريطاني علق تعليقا بسيطا على كلام إحدى الناخبات، فاستنفر الإعلام البريطاني والأوساط السياسية جمعاء، وخاصة المعارضة منها ليصبح تعليق رئيس الوزراء الخبر الرئيسي في كل نشرات الأخبار دون استثناء. لاحظوا كم كانت عادية كلمات بروان بحق السيدة، فهو لم يصفها بكلمات نابية أبدا. فكيف لو مثلا خاطبها بعبارات جارحة وجها لوجه، أو سلط عليها حراسه الخاصين كي يضربوها أو يشتموها كما يفعل أتفه مسؤول عربي يتعرض لانتقاد في الشارع. يا إلهي لربما زلزلت الأرض زلزالها في بريطانيا.

لم يقبل الشعب البريطاني أن يهين رئيسهم سيدة بريطانية حتى بكلمات لطيفة للغاية بالمقاييس العربية. لا بل إن بروان لم يتهجم على السيدة بشكل مباشر للرد على انتقاداتها لحزبه، بل علق على كلامها سرا في سيارته، لكن حظه العاثر جعل أحد الصحفيين الخبثاء يسجل التعليق لينشره على الملأ.

وبدورها لم تقبل السيدة تعليق رئيس الوزراء الذي اعتبرته مهينا وغير مقبول. لاحظوا كيف تدافع الشعوب الحرة والحية عن كرامتها، فهي ترفض حتى الإساءات اللفظية البسيطة، فما بالك بالإهانات الجسدية، فتهب عن بكرة أبيها للثأر لكرامتها، مما جعل رأس الدولة ينحني ويذهب إلى منزل السيدة كي يعتذر لها شخصيا.

آه كم تتعرض شعوبنا للإهانات اللفظية والجسدية بالجملة والمفرق ليس فقط من حكامها بل من أصغر وأتفه موظف دون أن تعبر عن شكواها، فشعوبنا تأكل الإهانة تلو الأخرى وتصمت كالحملان. ويكفي أن تزور دائرة حكومية في بعض الدول العربية لترى وتسمع كيف يقوم موظف يساوي كعب حذاء مهترئ بشتم المراجعين وتقريعهم ومسح كرامتهم بالأرض. آه لو رأيتم كيف تتم معاملة مستحقي الإعانات في بعض الدول العربية، فهم يتدافعون للحصول على مخصصاتهم كالأغنام، بينما يقوم الموظفون بإسماعهم ما لذ وطاب من الشتائم والإهانات حتى لو كان عمر الواحد منهم تجاوز السبعين من العمر.

وحدث ولا حرج عن الجرائم المادية والجسدية التي يرتكبها حكامنا الأشاوس في حق شعوبهم، فكم من الناس ماتوا تحت التعذيب بمعرفة الحاكمين وبتشجيع منهم دون أن يكون بمقدور ذويهم حتى السؤال عنهم، فكل من يسأل عن سجين سياسي سيلحق به في بعض الدول العربية.

ومن المضحك أننا نحن العرب أكثر شعوب المعمورة تشدقا بالكرامة، مع العلم أن أصغر مسؤول عربي يمكن أن يدوس بنعاله كرامة الناس، بينما قلما تسمع بريطانيا يتحدث عن الكرامة، لكنه مستعد عندما تتعرض كرامته للإهانة حتى من أكبر رأس في الدولة أن يرد الصاع صاعين، كما فعلت السيدة دوفي.

ليت الشعوب العربية الغفيرة، عفوا الغفورة تقرأ جيدا واقعة السيدة البريطانية مع رئيس الوزراء، لعلها تبدأ بالدفاع عن حقوقها شيئا فشيئا في وجه حكام يتفننون في إهانة شعوبهم ودوس كراماتها بمناسبة ومن دون مناسبة دون أن تتجرأ تلك الشعوب التي استمرأت الذل والهوان على مجرد التعبير عن استيائها ولو همسا.

عاشت الشعوب الحرة والحية وسحقا للأذلاء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
27
  • نورالدين الميزابي

    كلامك أكثر من رائع، وتحية إليك على هذا السرد الجميل للأحداث ، وكذا التحليل المتميز ، والإسقاطات المؤلمة التي نوهت بها.
    ومن خلال هذا المقال نوجه رسالة إلى الشعب المتميز في كلام البذاءة الإعلامية والسياسية ،وقلة الأدب ليتعلموا درسا في الحضارة، و ليعلموا أنهم اقترفوا جريمة شنعاء وتلكموا بهمجية منقطعة النظير
    حيث أنه لو سمع البريطانيون وفهموا ماذا كان سياسيوهم وإعلامهم ومثقفوهم ينبحون به في الفضائيات لاحتاروا لماذا الجزائر لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية معهم .

  • بدون اسم

    عن اى كرامة تتحدث يا دكتور.....
    .الشعوب العربية تنعم فى سباتها و ثرواتها تنهب من الاقليات..و هم راضون على اوضاعهم..يستحقون ذلك..فهم كالحجارة او اشد غباء.....و خضوعا.

  • محمد

    صحيح أن الحكام الغربيين لديهم سياسات خارجية سيئة مثلا مع الدول العربية والإسلامية ولكن مع شعوبهم وفي سياسات الداخلية الأمر مختلف فهم يعرفون كيف يكسبون شعوبهم بالطرق السلمية وبالتصرفات الجيدة وغيرها عكس الحكام العرب الذين يرتكبون جرائم بشعة بحق شعوبهم وبالإضافة إلى كل ذلك ليست لديك الحرية للتعبير عن رأيك و أيضا الانتخابات المزورة وحرمانك من ابسط حقوقك .نحن دائما نلوم حكامنا ونتهمهم بنهم سبب مشاكلنا وتخلفنا وما إلى ذلك ولكن الحقيقة أن المشكل الحقيقي فينا لأنهم لو وجدوا أناسا أمثال هؤلاء البريطانيين مثلا يحاسبونهم على ابسط أفعالهم وأقوالهم لما فعلوا ما فعلوا لو وجدوا شعوبا يقظة لما وصل بنا الحال إلى ماهو عليه فنحن دائما نستخف ببعض الأشياء كالقوانين الظالمة مثلا والتي تتغير لا ادري كم في السنة ربما 4او5 أو لاادري من دون أن يكترثوا لنا وكأننا غير موجودين الحقيقة هي لن الشعوب العربية تعيش حالة غيبوبة وضعف ولذلك يجب النهوض من جديد و الدفاع عن ابسط الحقوق وإثارة ابسط المواضيع اتجاه هؤلاء الحكام الذين هم في الحقيقة عمال أو خدم عند الشعب في الواقع إذا بقينا نستخف بهذه الأشياء فان الأمر سيتجاوز حده بالتأكيد.

  • sami alger

    عاشت الشعوب الحرة والحية وسحقا للأذلاء في البلدان العربية

    فكيف نحارب الحرقة والوقائع اليومية تكرس المنطق الذي يفكر به هؤلاء المساكين

  • بدون اسم

    bravo maqqal ra2e3 mawdoo3 gameel wa logha 3arabbeya men traz rafee3

  • سليم

    أحب المقال وأكره صاحبه المتحامل على الجزائر

  • بدون اسم

    هل بريطانيا مجودة على كوكب الأرض..؟

  • fofo

    ربي يهدي حكامنا ويهدي شعبنا ويهدينا لمثل هدا المستوى من الأخلاق

  • ___

    هذا طبيعي لأن حكٌامهم جزء من شعوبهم لديهم حقوق وعليهم واجبات وليسو آلهة متفرعنة كما يبدو على بعض حكٌامنا الأبقار.

  • تقي

    لاحياة لمن تنادي يا دكتر.
    فمثل العرب الآن كمثل الذي ينعق بما لايسمع.
    وذلك لأن الأغلبية متخلفة ان لم نقل جاهلة, و الأقلية المثقفة لاتهمها الا مصالحها الخاصة الا من رحم ربي .

  • لبنى

    السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته:

    أجل يا دكتور فيصل نحن لا نعرف حقوقنا فلا عجب أن لا ننجز شيئا يدكر

    لأوطاننا التي تنعم بحكام يعرفون جيدا حقوقهم في الإستيلاء على ما امكنهم

    فالقانون لا يحمي المغفلين بدليل أن الناس لا يأبهون بقراءة مقالة ترشدهم لمعرفة حق واحد.الله يعاونك على وعيك .

  • محمد

    المواجهة مع الحقارة هي الحل و مرحبا بالموت

  • ثائر

    تعرف يا استاذ فيصل ان افضل عبارة في مقالك هي سحقا للاذلاء وهذه الشعوب الذي انت بصدد الحديث عنها وتتشدق بالكرامةما هي الا بالوصف الدي وصفت والا فكيف نفسر تقديسها وتفانيها في التمجيد والتطبيل والتلذذ بتزكيتها وطاعتها لمن لا يعرفون الا الدوس على كرامة هده الشعوب بل .............

  • abouhafs

    ومن يهن يسهل الهوان عليه...ما لجرح ميت إيلام.......؟
    ماذا تنتظر أيها الاخ الكريم من الشعب القطعان الذي رضي بالذل والهوان..............فالله الله المستعان.

  • Fethi

    IL ne faut pas comparer l incomparable

  • free

    أشكرك أولا على هذه الأسطر..
    أشاطرك الرأي، فنحن اليوم ليس لدينا حتى الحق في أن نعلف كما تعلف الإبل..فهناك من يعيش عيشة أهل الكهف في 2010 وفي بلد يعد من أغنى دول المعمورة ( بترول، غاز، ذهب، ماء........الخخخخخخ...)
    أنا شخصيا كمثقف جزائري ليس لديه ادنى حق أقول حسبي الله ونعم الكيل..في كل مسؤول..

  • سعاد

    لا حياة لمن تنادي يا سيدي

  • Mounir

    After reading this article,i feel like i would like to blow up my self,i lived in London for 8 years,than i wanted to go back to my country after i completly forgot that my country is a ............ country.But now,i wished if i didn't even born in this bloody home.Huge diffenrence between what i used to live and see in london and in here,there is no even comparaison in between.English people are human been,but us we are ghosts and nothing....

  • OMAR

    BEIN

  • هشام

    موظف يساوي كعب حذاء مهترئ
    هذه الجملة لا تليق بكاتب هذه المقالة

  • الشيخ

    مقالة حامية كالعادة يا دكتور ولكنها ستكون بردا وسلاما على
    خرفاننا الودوعين الحبوبين .

  • بدون اسم

    الله يعطيك العافية يسلم هالتم

  • احلا دماغ

    طبعا كلام سخيف
    هل تريد يا سيد فيصل ان تقنعني بأن الانجليز لا يتهاونون في مجرد لفظ هو زلة لسان واقام الرجل سرادق الاعتذارات لهذة السيدة التى لم تقبل اعتذاراتة وسيعاقبة الشعب البريطاني على فعلتة الشنيعة هذة ؟؟؟
    والله هذا كلام سخيف وغير صحيح وربما هو تسوية حسابات وربما ضغوط على السيد براون من دوائر قد يكون اضر بمصالحها والدلـــــــــيل ان توني بلير ظهر اما البريطانيين انه كذاب ومنافق وعنصري واقحم بريطانيا في حرب لاناقة لهم فيها ولاجمل وقتل مئات الاف من العراقيين والاف الجنود البريطانيين وانت تعرف ايدية السوداء والملطخة بالدماء ووضع بريطانيا ( العظمى سابقا ) في اطراف الزيول الامريكية ومع ذلك لم اسمع انهم في بريطانيا اقاموا الدنيا علية ولم يقعدوها سوى مسرحية سخيفة ( للاستماع ) لشهادته بخصوص حرب الخليج ودخل من الباب الخلفي لان البريطانيين من اصول عربية كانوا ينتظرونة بالخارج
    بالعكس تم ترقيتة بعدما ترك منصب رئيس الوزراء البريطاني لان المهمة التى كانت موكلة له انتهت( غزو العراق ) فأصبح وجودة غير مرغوب فية وكانت المفاجئة او المفارقة انه اصبح مبعوثا للسلام في الشرق الاوسط ( هههههههههههه )
    مصيبتك يا دكتور انك تصدق الغرب وتسوق لهم بضاعتهم الفاسدة

  • بدون اسم

    نعم يا سيدي رايناه جد محرج ومرتبك امام الصحافة واعتدر رسميا وهد كله لانه لا يريد ان يدافع على المهاجرين والاسلام علنيا بل خفية يعني داخل سيارته ولم يكن يعلم بالمكرفون المخبىء فهو متاكد من تعصب السيدةجليان دوفي ولكن لا يريد التمرد عندما تكون قضية خاصة بالاسلام او الهجرة يتغير كل شيءوالقضية ليست بالتافهة كما تظن يا سيدي انشر

  • إيهاب محمد

    مقال جميل و أسلوبك رائع، و أتعجب أنك لم تسب مصر في مقالك :)
    أعلم أنك معتدل و تترفع عن الفتن مقال رائع

  • قثيض

    "عاشت الشعوب الحرة والحية وسحقا للأذلاء" . انا اساندك على هذه المقولة شكرا

  • quebecois

    aaah ma atzidounich gir ma kalaah tahkiwena mitl haad les evenement khatar angir bazaaf.taban lilhoukaam al3arab les dictatures aljobnaa aljohaalamaa acho3oub al3arabia fa aana alawaan litantafid