-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بمناسبة صدور كتابه.. "الشروق" تحاور الصحفي والحقوقي منصور قدور بن عطية:

“بيغاسوس”.. كل تفاصيل مملكة التجسس بالوثائق

“بيغاسوس”.. كل تفاصيل مملكة التجسس بالوثائق
ح.م
الصحفي والحقوقي الجزائري منصور قدور بن عطية

صدر مؤخرا كتاب توثيقي جد مهمّ، بعنوان “بيغاسوس مملكة التجسس”، للصحفي والحقوقي الجزائري منصور قدور بن عطية، عن دار الوعي للنشر والتوزيع بالجزائر العاصمة، وهو أول عمل جزائري يسلط الضوء بشكل مكثف حول فضيحة التجسس باستخدام برنامج بيغاسوس الذي طورته الشركة الإسرائيلية “أن أس أو” واستعمله المخزن ودول أخرى عن كثب للتطفل على الأصدقاء، والجيران قبل الخصوم السياسيين.
وبالرغم من مرور زهاء 20 شهرا على الوقائع التي صدمت العالم في منتصف جويلية 2021، لا يزال المغرب الذي عرّته فضيحة جديدة هي فضيحة الرشاوى الأوروبية مؤخرا، لا يزال في حالة إنكار فج أو تقمص بائس لدور الضحية، مع أنه لم يغير منذ سنوات طريقة تعامله مع مثل هذه الأحداث، فهو يحاول تكميم الأفواه واستخدام العاطفة، استعدادا للهجوم القضائي على الجميع وإغراق الفضاء المحلي بأطروحة المؤامرة التي تحاول عرقلة النموذج التنموي الجديد، على حد زعمه.
في هذا الحوار الذي أجرته جريدة “الشروق” اليومي مع المؤلف الشابّ (39 سنة)، نتعرف على ما تضمنه هذا الكتاب، والذي يعتبر مرجعا دقيقا للأحداث التي لا تزال تلقي بضلالها على المشهد الإقليمي وحتى الدولي، ومصدرا غنيّا، لاحتوائه على كم هائل من الوثائق والتحليلات العميقة التي قضّت مضاجع المخزن منذ قرابة سنتين.

كيف بدأت فكرة تأليف كتاب حول فضيحة بيغاسوس؟
بدأت فكرة الكتاب مباشرة بعد الكشف عن الفضيحة التي صدمت العالم في 18 جويلية 2021. فمع تواتر المقالات التي نشرت عبر عدة بلدان ضمن ما سمي بمشروع بيغاسوس أو القصص الممنوعة أصبح المخزن المغربي ومع مجموعة من الدول التي استعملت هذا البرنامج التجسسي الخطير عارية أمام المجموعة الدولية.
خلال الفترة الأولى قمت بمتابعة ردود الأفعال هنا في الجزائر وهناك في فرنسا وبلجيكا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية ولكن أيضا في المغرب، حيث تعتبر الإدانة كافية لتقود صاحبها خلف القضبان أو تجعل منه مطاردا في الداخل أو الخارج.
تابعت كيف تعامل المخزن مع هذه الفضيحة وكيف تفادت منافذه الإعلامية التي لطالما اعتمدت النشر المركز والمكثف الحديث عن الموضوع الذي شغل العالم ولاذت بالصمت.
في الأثناء كان لدي حرص خاص على متابعة ردود الأفعال الصحراوية بشكلها الرسمي وغير الرسمي وشملت هذه التغطية العميقة حتى الجمعيات والشخصيات المساندة للقضية الصحراوية وبعضهم كان أيضا ضحية لهذا الاختراق التجسسي الخطير.
كما تابعت محاولات عدة دول ولاسيما بريطانيا وفرنسا الاستفادة من الاتفاق الضمني للحماية من الهجمات السيبرانية من خلال البرامج التجسسية الخبيثة والدعوات الدولية إلى العمل على منع تكرار مثل هذه الأفعال العدائية من جهة والتي يمكن أن تؤدي إلى توتير العلاقات الدولية والثنائية بين الدول ولاسيما في مناطق الصراعات على غرار الملف الصحراوي من جهة أخرى.
بعد عملية المتابعة التي دامت عدة أشهر والتي شملت حوالي 30 منفذا إعلاميا دوليا، ووطنيا في الجزائر وفي المغرب انتقلت إلى مرحلة التحليل ثم الكتابة التي استغرقت حوالي شهرين وانتهت في جانفي 2022 مع الكشف عن قائمة مؤكدة جديدة للهواتف المخترقة ضمت نحو 1.400 هاتف، حيث أصبح نادي أصدقاء بيغاسوس يضم دولا أكثر والضحايا أيضا في الصورة.

ولكن لماذا فضيحة بيغاسوس دون الفضائح الأخرى للمخزن المغربي؟
بدأ اهتمامي بالشأن المغربي مبكرا ولاسيما من خلالي متابعتي الدائمة للإعلام المخزني الذي يقوم بشكل متعمد بالدعاية السوداء ضد الجزائر في مقابل إفراط بالغ في الترويج للأطروحات المفبركة داخل أروقة الأجهزة الأمنية والمؤسسات الملكية وحتى أجندات بعض العصب المالية والسياسية.
وهكذا تابعت اتجاهات الإعلام المغربي لمدة ثلاث سنوات تقريبا من خلال تغطيته للحراك الشعبي في 2019 وللأزمة الصحية المتعلقة بتفشي وباء كورونا في 2020 ثم تسويقه لقرار التطبيع مع الكيان الصهيوني المخزي وما تلاه من أحداث في سنة 2021 ولاسيما فضيحة بيغاسوس التي هزت العالم في منتصف جويلية والترويج للأطروحة الانفصالية لمنظمة الماك الإرهابية قبل قطع الجزائر لعلاقاتها الدبلوماسية والسياسية لهذا البلد وبداية العقوبات الاقتصادية التي شملت التخلي بشكل نهائي عن أنبوب الغاز المار على الأراضي المغربية ومنع المغاربة من الاستغلال غير القانوني للمزارع الجزائرية على الحدود وتعطيل اتفاقية التموين بالطاقة الكهربائية وغلق المجال الجوي أمام الطيران المغربي.
أنا أعتقد في الحقيقة أن تجسس المغرب أو محاولته ذلك على ما يزيد عن 10 آلاف هاتف حول العالم، من بينها 6 آلاف هاتف جزائري مخجل ومحفز على دراسة هذه السقطة التي تنهي بشكل مجحف الأسطوانة التي تكررها الدعاية المخزنية حول الجوار وهي تنتهك أبسط حقوق الإنسان وهو الحق في الخصوصية.

في ضوء الاستقصاء الذي قمت به، ما الجديد الذي يقدمه هذا الكتاب؟
يعتبر كتاب “بيغاسوس مملكة التجسس” وثيقة بالأساس فهو يجمع بين دفتيه أولا ما لا يقل عن 110 مقال صدرت بعدة لغات من خلال 18 منفذا إعلاميا في 10 بلدان، هي ما يسمى بـ”مشروع بيغاسوس” ومادة صحفية أخرى تم نشرها بعد ذلك بأزيد من 30 منفذا إعلاميا وطنيا ودوليا وحتى مغربيا، تابعت تداعيات هذه القضية غير المسبوقة وقامت بتقديم تحليلات بمقاربات مختلفة تجاوزت الشأن السياسي إلى المقاربة الأمنية والقانونية.
وفضلا عن الفصلين الأول والثاني اللذين تطرقا بإسهاب للقصة الصحفية الكاملة لبيغاسوس ولردود الأفعال في الجزائر والمغرب والصحراء الغربية وفرنسا وبلجيكا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وغيرها وداخل أروقة مختلف المؤسسات الأممية والمنظمات الحقوقية والمهنية يجد القارئ في الفصل الثالث مادة دسمة ترضي نهمه الفكري تتضمن عشرات الوثائق التي تم تسريبها ونشرها من طرف الهاكر “كريس كولمان” في 2014 وتكشف عن توجهات وممارسات وأهداف إستراتيجية وعملياتية للمخابرات المغربية وواجهتها المتكونة من وزارة الخارجية ومختلف الدكاكين الإعلامية.
وبشكل منهجي ووثائقي حاولت تحديد طبيعة هذا التجسس الالكتروني وخلفياته، والأهداف المحتملة سواء في داخل المغرب أو خارجه، الدول والكيانات وحتى الشخصيات المستهدفة فضلا عن الأغراض السبعة لهذا الخرق الكبير للسيادة السيبرانية وقواعد الاشتباك الإلكتروني.

ما هي أهداف هذا التجسس الإلكتروني؟ ولماذا لجأ المغرب لهذا البرنامج الذي أنتجته شركة صهيونية؟

قبل الحديث عن أهداف أو أغراض التجسس الإلكتروني المغربي لا تفضح هذه الأحداث فقط المخزن وهي تكشف وجهه القبيح وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك سجله الأسود في قمع المعارضين وتكميم أفواه الصحفيين والتضييق على الناشطين سواء المبلغين عن الفساد أو المدافعين عن حقوق الإنسان، بل تشي بأن المغرب قد طبع مبكرا مع الكيان الصهيوني.
فقبل الإعلان الرسمي عن إعادة العلاقات المغربية الصهيونية في إطار ما يسمى باتفاق أبراهام في ديسمبر 2021 تعود بنا الأحداث التي كشفها تحقيق بيغاسوس إلى سنتين أو ثلاث سنوات قبل ذلك، حينما كانت الحكومة الفرنسية بما في ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والحكومة البلجيكية والإتحاد الأوروبي ومسؤولين في إسبانيا والجزائر وموريتانيا والصحراء الغربية تحت طائلة هجوم الكتروني واختراق سيبراني من قبل الأجهزة الاستخباراتية المخزنية الداخلية أو الخارجية.
وبالعودة إلى أغراض التجسس، حدد الكتاب 7 أهداف رئيسية دفعت المخزن إلى استخدام بيغاسوس، خارج دائرة ما تعلن عنه الشركة الصهيونية (أس أن أو) المنتجة لهذا البرنامج الالكتروني.
ومن بين هذه الأهداف الهجوم على الصحفيين بهدف قمع حرية التعبير ولاسيما أولئك المنتمين إلى الصحافة الملتزمة والصحافة الاستقصائية والمنافذ المستقلة وغير المرتبطة بمراكز النفوذ المالي والسياسي ويطال هذا الهجوم أيضا الناشطين المدافعين عن حقوق الإنسان والمبلغين عن الفساد وفي بعض الأحيان حتى عائلاتهم وأصدقائهم ومحاميهم.
وزيادة على قمع حرية التعبير والنشاط المدني هناك أغراض أعمق للتجسس الالكتروني تمتد لمراقبة السياسيين والتضييق على المعارضين بهدف تعزيز السلطة وانتهاك الحريات الأساسية وقواعد النظام الديمقراطي، هذه الحالة مكشوفة في الطوغو، لكنها أيضا في المغرب.
والمؤكد أن استعمال بيغاسوس كان يهدف إلى جمع المعلومات للتأثير والتشويش ودعم القرارات السياسية أو الدبلوماسية وإدارة الأزمات وهنا تبدو الأزمة بين إسبانيا والمغرب بسبب تلقي الرئيس الصحراوي “إبراهيم غالي” العلاج من كورونا (كوفيد 19) بالمملكة الإيبرية واضحا وخاصة أن هذه المعلومة تكون قد وصلت للمخزن المغربي عبر هذا البرنامج الالكتروني، كما أن تغير موقف رئيس الوزراء الاسباني “بيدرو سانشيز” من ملف الصحراء الغربية كان تحت تأثير نفس النهج الذي جعل منه صيدا ثمينا للمخابرات المغربية وأدى إلى أزمة بين إسبانيا والجزائر لا يزال الاقتصاد الاسباني يدفع فاتورتها الباهظة إلى غاية اليوم.
وفضلا عن ذلك يبدو المغرب رائدا في اختراق الحياة الخاصة بهدف المساومة والتشهير وإنهاء الحياة المهنية للصحفيين وإحالتهم على تقاعد قسري من خلال التهم الجاهزة وهي دائما جرائم جنسية أو تتعلق بالفساد وتبييض الأموال، ونحن هنا في غنى عن الأمثلة أو الحالات فكل المتابعات القضائية في المغرب تتم بهذه الطريقة “الراضي”، “الريسوني”، “منجب” وآخرون.
وتطرق الكتاب إلى أغراض أخرى من قبيل مراقبة الأبحاث العلمية لاسيما فيما يتعلق بالمنافسة التكنولوجية ومحاولة الوصول إلى معلومات اقتصادية إستراتيجية وإلى الشبكات المالية النافذة واللوبينغ وغيرها، المخابرات المغربية أنشأت فرقة متخصصة في المعلومات الاقتصادية والهدف واضح، تضخيم المملكة وممارسة الدعاية ضد الجزائر وخدمة كل الأغراض السابقة.

كيف تعامل المخزن المغربي مع هذه الوقائع الصادمة؟
في الحقيقة تعامل المغرب مع فضيحة بيغاسوس على مرحلتين، تضمن كتابي المرحلة الأولى فقط، نظرا لأن الدراسة كانت بين 18 جويلية 2021 و31 جانفي 2022، وهي الفترة التي تبدأ بكشف الائتلاف الدولي لقائمة 50 ألف رقم هاتفي محتمل استهدفتها أجهزة مخابرات 11 دولة حول العالم أهمها المغرب (10 آلاف رقم محتمل) وتنتهي بكشف إحدى الصحف الصهيونية لقائمة مؤكدة تتضمن 1.400 هدف.
المرحلة الثانية بدأها المغرب مؤخرا وسأتحدث عنها بالتفصيل بعد قليل، لكن قبل ذلك بدأ المخزن شهر جويلية حملة الدفاع عن نفسه بالإنكار ثم انتقل إلى تقمص دور الضحية واستخدم أيضا العاطفة المفرطة استعدادا للهجوم القضائي الذي طال المنافذ الإعلامية في فرنسا وألمانيا وإسبانيا وباء بالفشل مؤخرا.
قمت من خلال كتابي بالتتبع الدقيق للسلوك المخزني الذي وصف التسريبات بأنها “محض زيف” وقام على عجل بفتح بحث قضائي داخلي لذر الرماد في العيون بالموازاة مع تكليفه للمحامين الأوروبيين بالدفاع عن مصالحه بالمحاكم الفرنسية والألمانية والاسبانية وبالإدلاء بالتصريحات متى احتاجت الدعاية المخزنية لرأي يهدئ الداخل ويضلل الخارج.
لكن المنافذ الإعلامية وخاصة الوكالة الرسمية تجنبت في المرحلة الأولى النشر المكثف حول الموضوع وبدلا من ذلك ركزت على أن المغرب ليس المتهم الوحيد وأوعزت إلى قائمة مجهولة من المواطنين لنشر رسالة بعنوان “أنصتوا إلينا” ربما تم إعدادها بالغرفة المظلمة لمخابرات الحموشي.
في المرحلة الثانية التي انطلقت مؤخرا عادت وكالة الأنباء المغربية للنشر المكثف من جديد حول هذا الموضوع قبيل صدور الأحكام القضائية في القضايا التي رفعتها بباريس وركزت على نفس الاسطوانة المشروخة “لم يتم تقديم أي دليل ضدنا” وأن المزاعم المروجة تستند على تقييمات تقنية خاطئة وأنها من نسج الخيال مع محاولة نقد المنهجية التقنية التي أعتمد عليها الائتلاف الدولي الذي كشف الفضيحة دون إهمال “الترند المتكرر” المتعلق بالمؤامرة، فتارة تتم الإشارة إلى “النوايا المبيتة” وتارة إلى “الهجوم العدائي لخصوم المغرب”.
وتواصل ذات الوكالة هذه الحملة المتأخرة بوصف كل الأدلة التي قدمتها منظمة العفو الدولية والمختبر الدولي “سيتيزن لاب” وائتلاف “قصص منسية” بالزائفة وغير المقبولة، ليدعو في الأخير المجرم إلى “إحداث شبكة دولية، لتقنين الاستخدام غير الأخلاقي للتكنولوجيا”. إذا لم تستح فافعل ما شئت.
وتتزامن هذه الحملة مع حملة الدفاع عن المغرب في مواجهة فضيحة الرشاوى الأوروبية، فيتم استعمال الأقلام المرتزقة هنا وهناك لإيهام المخزن (العياشة) أن هناك رأيا دوليا مساندا لأطروحات الأجهزة الأمنية، لكن كل هذا البناء سينهار عندما تتأكد أن كل المصادر التي تم الاعتماد عليها غير محايدة لا بل وقريبة جدا من المغرب أو لها مصلحة معه بما في ذلك صحيفة بلغارية هناك ووكالة أرجنتينية هنا أو صحفي لبناني وآخر من رواد مراكش.
ولا ضير إذا انتشت وكالة الأنباء الذي كان يديرها المنصوري مدير المخابرات الخارجية في وقت من الأوقات بكتاب صدر في نفس الوقت للصحفي الفرنسي السويسري، آلان جوردان، بعنوان “قضية بيغاسوس… خبايا حرب معلوماتية”، يكفي أن تخضعه لمناهج تحليل المضمون لتكتشف أنه يتبنى المقاربات المخزنية بما في ذلك التصور الذي تطرحه نفس الوكالة حول الوقائع بقولها “قضية بيغاسوس”.
وتكفي أيضا عملية بحث بسيطة عبر المصادر المفتوحة لتكشف للقارئ قرب الكاتب من الأجهزة المغربية وهو يؤلف قبل 3 سنوات كتابا آخر يخدم نفس الأجندة بعنوان “المغرب على الخط الأمامي لجبهة الحرب” ويدلي بالتصريحات التي تناسب نفس الاتجاه سواء عندما يتحدث عن العلاقات الفرنسية المغربية أو الرغبة الجامحة للمخزن من أجل التموقع القاري وهوسه بكونه المنفذ الحيوي إلى إفريقيا.
ولا بأس أيضا إذا كان الصحفي في وقت من الأوقات مراسلا دائما بالأمم المتحدة التي تعرضت أجهزتها لاسيما بالعاصمة السويسرية جنيف إلى عدة محاولات اختراق وجوسسة وتدخل في عمل اللجان والهياكل من خلال شراء الذمم وتقديم الرشاوى وتجنيد الداعمين للمواقف المغربية مثلما كشفت عنه في وقت سابق تسريبات “كريس كولمان”.

في مقابل ذلك، كيف تعاملت الجزائر مع هذه القضية؟
عبرت الجزائر منذ البداية عن قلقها العميق بشأن هذه الوقائع وأدانت الاعتداء الممنهج والمرفوض على حقوق الإنسان والحريات مع احتفاظها بحقها في الرد والمشاركة في أي جهد دولي لإثبات الحقائق وعدم الإفلات من العقاب ومكافحة الجرائم التي أصبحت تهدد السلم والأمن الدوليين والأمن الإنساني بشكل عام.
وسريعا تعاملت الجزائر مع محاولة منظمة “مراسلون بلا حدود” إقحامها في الفضيحة التي هزت العالم بتحويلها من “ضحية” لبيغاسوس إلى “مالك” لنفس البرنامج التجسسي سيء السمعة ورفعت دعوى قضائية ضد هذه المنظمة المعروفة بمواقفها العدائية لبلادنا.
وليس غريبا أن هذه الوقائع الصادمة كانت جزءا من التقييم الذي أجرته السلطات الجزائرية بخصوص الموقف من المغرب وأدى في النهاية إلى قطع العلاقات الجزائرية المغربية في 24 أوت 2021.
واستند هذا التقييم إلى المقاربة التاريخية التي تحكم العلاقات الجزائرية المغربية وللمبادئ الدبلوماسية الجزائرية وثوابتها فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية والدولية وعلى تقدير موقف مرتبط بتنامي الأعمال العدائية للمخزن بما يضر بالأمن القومي للجزائر وبمصالحها الحيوية من خلال جعل المملكة لترابها الوطني قاعدة ورأس حربة للكيان الصهيوني والتعاون البارز والموثق مع المنظمات الإرهابية المصنفة الماك ورشاد واستخدام برنامج بيغاسوس وإجهاض كل المساعي الدولية لحل الأزمة الصحراوية وتقويض كل الجهود الوحدوية لبناء المغرب العربي كمنظمة وكيان جيواستراتيجي وازن في شمال إفريقيا وغرب المتوسط وعلى مرمى حجر من الفضاء الأوروبي.
ولأن الجزائر بعد الحراك الشعبي في 2019 تختلف عن الجزائر في المرحلة السابقة انتقلت الدبلوماسية الجزائرية من البيانات السياسية إلى العقوبات الاقتصادية كما تم الإشارة إليه سابقا وشملت تجميد التعاون الطاقوي المتعلق بأنبوب الغاز الطبيعي وشبكات الكهرباء العابرة للحدود وغلق المجال الجوي واستعادة البساتين المستغلة من طرف المغاربة داخل الأراضي الجزائرية فضلا عن التخلي نهائيا عن كل المشاريع المشتركة في إطار الوحدة المغاربية.

إذن ماذا سيضيف كتابك للوقائع المعلومة؟
صدر حتى الآن أربعة كتب حول بيغاسوس بما فيها كتابي “مملكة التجسس” أو الأعمال التي تناولت هذه القضية، وهي “المغرب: تحقيقات ممنوعة… في قلب قضية بيغاسوس” للصحفي عمر بروكسي عن دار العالم الجديد في أوت 2021، و”بيغاسوس… قصة برنامج تجسس الأخطر في العالم” للوران ريشارد وساندرين ريجود في جانفي 2023 و”قضية بيغاسوس… خبايا حرب معلوماتية”، للوران جوردان، عن دار شرش ميدي في مارس الماضي، وأخيرا “مملكة التجسس” عن دار الوعي للنشر والتوزيع مؤخرا.
أنا أعتقد أن الكتابة عن هذه الوقائع مهمة، لكن المعلومات المتعلقة به لا تزال شحيحة وهي تدخل في خانة التخمينات أو التحليلات لاسيما مع حرص الشركات المنتجة لهذه البرامج التجسسية على السرية وإحاطة أعمالها وعملائها بحماية خاصة بما في ذلك أولئك الذين انتقلوا فعلا من الاستغلال المعلوماتي إلى العمل الميداني العملياتي الذي أدى إلى اغتيال صحفيين، بما في ذلك الصحفي المكسيكي خافيير فالديز كارديناس.
في الحقيقة كتابي يركز على استخدام المغرب بالدرجة الأولى لهذا البرنامج من أجل تعزيز سلوكه العدائي بكل الجوار، وقد خصصت فصلا لفضائح التجسس الالكتروني السابقة للمغرب أو ما يسمى بفضيحة هانكينغ تيم في 2015 التي كشفت عن استعمال المخزن لبرنامج التجسس عن بعد “ار سي أس” ضد مواطنيه.
وركزت على الطرائد التي يحاول المغرب الحصول عليها بهدف التشويش على مساندي القضية الصحراوية أو تضخيم الملكية وإحاطتها بوسم ممنوع الاقتراب أو التصوير أو حتى الكلام في بعض الأحيان واللجوء إلى الدعاية السوداء ضد الجزائر مع محاولات الوقيعة والخديعة والهسبرة (فن الخداع الصهيوني) التي تطال كامل الإقليم وخاصة الساحل وليبيا وموريتانيا وتونس في الفترة الأخيرة وإسبانيا وفرنسا وغيرها.
ولا يمكن في الأخير أن لا يتضمن الكتاب عرضا تفصيليا للمسؤولين الأمنيين المغاربة عن هذا الانحراف الخطير ولاسيما أكثر الرجال المحاطين بالبروباغاندا الإعلامية وهم الحموشي والمنصوري والشرقاوي والخيام وللملك المغربي محمد السادس الذي تم تسريب الوقائع المتعلقة بالتجسس عليه في إطار نفس الفضيحة للتملص من مسؤوليته أو اتهام خصوم المغرب بمحاولة الوصول إلى هاتفه، السيناريو الثالث مزعج جدا للمغرب في ظل التنافس الداخلي على كرسي الملك المريض.
ما يجب تأكيده هنا أن عملي ليس تحقيقا استقصائيا، بل هو عمل توثيقي حاول جمع أكبر قدر من المادة التي تحظى بنسبة كبيرة من الموثوقية ومن مصادر متعددة ومتضاربة في بعض الأحيان لتكون 300 صفحة المكونة له تحت تصرف الباحثين والصحفيين والسياسيين الراغبين في فهم الأحداث وتداعياتها واستشراف إحداثياتها في المستقبل القريب.

مع ذلك هناك شق قانوني مهم تطرق إليه الكتاب؟
فعلا، فهذا الاعتداء الصارخ عن طريق جاسوس إلكتروني ينطوي على مسؤولية قانونية وطنية ودولية ولا يمكن أن يفلت مرتكبوه من العقاب، وقد كيف القضاء الفرنسي هذه الوقائع بأنها تتضمن انتهاكا لخصوصية حياة الآخرين (المادة 126-1 قانون العقوبات الفرنسي) وانتهاكا لسرية المراسلات (المادة 226-15) وجمع للبيانات الشخصية بشكل احتيالي (المادة 226-18) وإدخال البيانات واستخراجها بشكل احتيالي مع الوصول الاحتيالي إلى أنظمة البيانات المؤتمتة (المادة 323-1 والمادة 462-2) فضلا عن إعاقة حرية التعبير وخرق سرية المصادر من دون أي أساس (المادة 431-1) وغيرها من الجرائم التي تجاوز عددها العشرة في مقابل الدفع المغربي بالتشهير.
والحقيقة أن هذه الأفعال تنطوي على جرائم أخرى إذا ما كانت نتيجة للاستخدام غير القانوني لهذا البرنامج التجسسي ومن بينها تعريض الآخرين للخطر وتهديد حياتهم وسلامتهم البدنية والتشهير بهم وبذويهم وربما الاغتيال خارج القانون كما في حالتين على الأقل متعلقتين بهذا التحقيق الدولي.
تطرح الوقائع مسائل أخرى متعلقة بالأمن السيبراني وبالسيادة الوطنية السيبرانية وما يمكن أن يشهده العالم في السنوات المقبلة خاصة مع تنامي ظاهرة الإرهاب الالكتروني وما يسمى أيضا بالمجموعات الالكترونية المعارضة وقد استعدت الجزائر لذلك فعلا من خلال التشريع السيبراني الذي ستكتمل كل عدته القانونية والتنظيمية قريبا وأيضا من خلال الهيئات التي تم إنشائها بغية الدفاع السيبراني (عقيدة الجيش الوطني الشعبي) والإستراتيجية الموضوعة حيز التطبيق من خلال مركز الدفاع السيبراني ومراقبة الأنظمة أو حتى المنظومة الوطنية لأمن الأنظمة المعلوماتية التي صدرت مراسيمها في 2020.
وزيادة على ذلك، تواجه الدول (ومن بينها الجزائر) والمنظمات الإقليمية والدولية اليوم تحديات مماثلة للتوصل إلى “تدابير خارجية” في إطار التعاون الدولي تمكن من الحفاظ على الأمن السيبراني وديمومة العلاقات الدولية بعيدا عن النزاعات المحلية أو الجهوية ذات البعد العالمي أو الحروب السيبرانية العالمية.
هذه التدابير التي بدأت عدة أطراف تدعو إليها يمكن أن تجد طريقها إلى الاتفاقيات الدولية أو متعددة الأطراف لكنها لن تثني أبدا “الخارجين عن القانون” و”المارقين” عن تنفيذ هجماتهم السريعة والخاطفة بهدف إعادة التوازن أو بسط السيطرة في العالمين الافتراضي والواقعي ولاسيما أن بعضهم لجأ مؤخرا لبرنامج تجسسي الكتروني جديد طورته شركة صهيونية أخرى بنفس الأغراض وربما لنفس العملاء الذين لهم نهم كبير حول ما يدور بقربهم وتعتريهم نزعات توسعية تجعلهم يختزلون الآخر وينسبون الإقليم والتاريخ إليهم فقط إنها مشكلة المغرب.

بعيدا عن كتاب بيغاسوس، لديكم مؤلفات أخرى ومشاريع تأليف قريبا، ما هي لو تفضلتم؟
بدأت الاهتمام بالكتابة مبكرا وكنت قد وضعت هدفا لنفسي بأن يكون لي أول مؤلف في عقدي الثالث وهو ما كان بالفعل من خلال كتابي الأول “الصحافي المحترف بين الإعلام والقانون” الصادر في 2016 عن دار جسور للنشر والتوزيع بالجزائر العاصمة وهو دراسة قانونية وإعلامية تحاول وضع الباحث والصحفي والقارئ بشكل عام في البيئة المهنية من خلال تعريف المهنة الصحفية وتحديد طبيعة العلاقات بين الصحفيين ومختلف الأجهزة الصحفية ثم الحقوق والالتزامات الصحفية وأخلاقيات وآداب المهنة.
بعد هذا الكتاب وجدتني مضطرا لنشر كتابين بعنوان “مدونة الإعلام في الجزائر” سنة 2018 و”الإعلام العمومي في الجزائر” في 2022 عن نفس دار النشر.
وكان هدف نشر المؤلفين الجديدين هو جمع كل النصوص القانونية والتنظيمية المنظمة للمهنة الصحفية في الجزائر وهكذا تضمن الكتاب الأول النصوص العامة المتعلقة بالإعلام ولاسيما الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر والقوانين والمراسيم التنفيذية والقرارات، بينما تضمن الكتاب الثاني النصوص الخاصة ونعني بها المراسيم التنفيذية والقوانين الأساسية ودفاتر الشروط المنظمة لما يسمى بقطاع الإعلام والاتصال العمومي وهو يشمل الإذاعة والتلفزيون العموميين ووكالة الأنباء الجزائرية والمؤسسة العمومية للبث الإذاعي والتلفزي ودار الصحافة والمركز الدولي للصحافة وغيرها.
الكتاب الثالث في إطار هذه السلسلة أنا أعكف عليه الآن وهو متعلق بعلاقة الصحافة بالقضاء في التشريعين الجزائري والفرنسي والهدف هو تبيين الدور الحيوي للمؤسسة القضائية في تأسيس وصياغة عدد كبير من القواعد القانونية المنظمة للمهنة الصحفية.
فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال كنت أعمل في الأشهر الماضية على كتاب جديد في نفس المجال القانوني بحكم دراستي للعلوم القانونية والإدارية له شق أيضا مهم متعلق بمضامين وسائل الإعلام هو التمييز العنصري وخطاب الكراهية في التشريع الجزائري والتشريعات المقارنة وكيفية الوقاية منهما بالموازاة مع اشتغالي الدائم بجمع المادة التاريخية في إطار اهتمامي بالتاريخ المحلي والوطني ومتابعتي الدائمة لوسائل الإعلام الوطنية والدولية ولاتجاهاتها باعتبارها معينا لا ينضب من المعلومات والأفكار التي يحتاجها أي باحث لبدء مغامرة جديدة في البحث والتنقيب.
بعيدا عن القانون والإعلام، أعكف أيضا حاليا على مشروع مهم في نفس اتجاه كتاب “بيغاسوس… مملكة التجسس” وهو أيضا يتابع عن كثب وقائع وأحداث على الصعيد الداخلي وفي المنطقة المغاربية مع احتفاظي بشكل دائم على عنصر المفاجأة وعدم الكشف عن الخطوة المقبلة إلا مع صدور الكتاب الذي سيكون على الأرجح مع دار الوعي للنشر والتوزيع.

كيف يمكن حصول القرّاء على هذا الكتاب القيم؟ وهل من الممكن تنظيم ندوات لتقديمه وحلقات نقاش حوله؟
صدر كتاب بيغاسوس مملكة التجسس منتصف شهر مارس الماضي بالجزائر العاصمة وعلى الفور حظي باهتمام كبير من طرف السياسيين والأساتذة الجامعيين والباحثين في عدة مجالات ولاسيما العلوم السياسية والقانون وحتى علوم الإعلام والاتصال، فضلا عن تغطية صحفية واسعة عبر مختلف الجرائد والمواقع الالكترونية والقنوات الوطنية والدولية.
وبالموازاة مع ذلك حظي خبر صدور هذا الكتاب بنشر واسع ومكثف عبر صفحات ومجموعات “الفايسبوك” وعلى “تويتر” و”انستغرام” ومختلف شبكات التواصل الاجتماعي وتم مشاركة الترند الخاص به على نطاق كبير خاصة عندما هاجمه الذباب الالكتروني المغربي بشكل مجحف ومضلل.
ومباشرة بعد صدوره أصبح كتاب بيغاسوس مملكة التجسس متوفرا على رفوف المكتبات بالجزائر العاصمة ،ثم بالولايات الوسطى وخلال شهر أفريل الماضي بكل مكتبات الجنوب الكبير، ثم الشرق والغرب الجزائري.
وبفضل شبكة التوزيع الكبيرة لدار الوعي التي تضم ما يفوق 260 نقطة بيع يوجد الكتاب بقرب كل مهتم، باحث، صحفي أو سياسي يحاول فهم السياق العام لهذه الفضيحة وتفاصيلها المخجلة.
وزيادة على ذلك حرص مدير دار النشر، محمد مولودي، منذ بداية المشروع، على أن يخرج الكتاب في أفضل صورة ممكنة وبالجودة المطلوبة وعلى أن يكون قريبا من مريديه سواء في داخل الوطن أو الخارج وبما في ذلك خدمة التوصيل التي تسمح بشحنه إلى كل مكان.
وبخصوص الندوات والنقاشات حول هذا المؤلف بدأت للتو بجولة لتقديم الكتاب تشمل عدة ولايات كان أولها بدار الصحافة لمدينة مستغانم وستليها عدة ندوات ونقاشات حول الموضوع على مستوى مخابر البحث بعديد الجامعات وقد تلقيت دعوات من هذا القبيل فضلا عن العمل الأكاديمي والبحثي التشاركي مع بعض الباحثين وطلبة العلوم السياسية الذين يحضرون أطروحات حول الأمن السبيراني والعلاقات الجزائرية المغربية وحتى التجسس الإلكتروني وقضية بيغاسوس وفضيحة الرشاوى الأوروبية أو ما أصبح يسمى بـ”ماروك غايت”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!