الرأي

بين جبران خليل جبران وباراك أوباما

أمين الزاوي
  • 5311
  • 26

في سنة 1895 غادر جبران خليل جبران قريته بشرّي بشمال لبنان متوجها إلى أمريكا البعيدة، مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين كانت الجالية اللبنانية والشامية بشكل عام كثيرة التوافد على هذا البلد هروبا من وضع يتميز بالقمع السياسي والاستبداد الاجتماعي تحت حكم عثماني متسلط، وأيضا بحثا، على عادة أحفاد الفينيقيين، عن أرض معطاء وخير مدرار واستمتاعا باكتشاف أرض الله الواسعة.

غادر جبران خليل جبران وعائلته لبنان فتى مراهقا مفعما بأحلام كاتب صاعد وفنان تشكيلي ذكي يريد تغيير ذاته والعالم وتغيير بلده نحو التقدم والتنوير والرخاء.

وربما في الوقت نفسه، في السنة ذاتها، غادر جد من أجداد باراك أوباما قرية، أية قرية، أو دشرة من دشور أحراش وغابات إفريقيا المليئة بأسرار التاريخ المتعب، دون شك كان هذا الجد هو الآخر مليئا بالإيقاعات الإفريقية وأحلام البحث عن لقمة عيش نظيفة وهو يقصد بلادا لطالما سوق إليها عبيد إفريقيا بمئات الآلاف، مسكونا كان بالحلم في أن يغير حاله وحال دشرته ووطنه، كان يفكر هو الآخر في تغيير العالم والتاريخ.

كلاهما، ما في ذلك شك، كان يعتقد أن العالم لن يتغير إلا إذا تغير الإنسان في الهامش، وما أكثر وما أوسع هذا الهامش المفقر والمستعمر والمجهل، كانا مؤمنين، ما في ذلك شك، بأن العالم لن يتقدم إلا إذا سادته العدالة والرحمة والسلام، وكان كل منهما يحمل حلمه الفردي الشخصي داخل دوخة الحلم الإنساني العالمي.

رست الباخرة التي كانت تقل جبران خليل جبران في واحد من المرافئ الأمريكية، كان الأديب الرقيق محملا بأفكار كثيرة بحقيبة مليئة بالقصائد وبرسومات خارقة يلتقي فيها الملاك والشيطان الفانتستيك والواقع.

وحين استقر به المقام في هذا البلد البعيد وتعلم لغة القوم وأتقنها، اللغة الإنجليزية الأمريكية، حتى أنه بها كتب أجمل كتاب ألفه وهو كتاب “النبي”، شرع في التأسيس لحزب أدبي، هو الرابطة القلمية، حاول أن يجمع من حوله أدباء المهجر كقوة فاعلة في الأدب واللغة: أمين الريحاني، إيليا أبو ماضي وميخائيل نعيمة، نسيب عريضة، عبد المسيح حداد، رشيد أيوب، ندرة حداد… وبالفعل استطاعت هذه الرابطة بتوجهاتها وبنصوصها أن تخلق فتحا جديدا في الأسلوب الأدبي العربي شعره ونثره وتؤثر على أجيال متلاحقة من الأدباء والقراء ولا تزال تؤثر فيهم حتى الآن جيلا بعد جيل.

وحين رمت الباخرة القادمة من شواطئ إفريقيا بجد أوباما على شط من شطوط أمريكا، صيفا كان الحال أم خريفا لا يهم، ممطرا أم صحوا لا يهم، لملم الإفريقي خوفه الذي يسكنه من آثار قرون النخاسة وانخرط في حياة أحياء الأقليات الإفريقية-الأمريكية، وكان الاستعداد كبيرا لمحاربة الاستعباد، كان استعدادا سياسيا ونقابيا. وشرعت الأقلية الإفريقية-الأمريكية في التأسيس لصوتها المميز في الحياة الاجتماعية والحزبية. كان الأفارقة-الأمريكيون من جيل جد أوباما يصنعون لهم وجودا في هذا العالم الأمريكي الجديد. كانوا يريدون أن يكونوا أقوياء هنا لأجل أن يكونوا في كل مكان، لأجل أن يسمع صوتهم في القارات الأخرى.

كان اختيار جبران خليل جبران الأدب والفن التشكيلي قدرا ذاتيا، وبقدر ما كان خطابه عاليا فقد ظل تأثيره محصورا في النخب، مقصورا على نخب النخب، كان جيل مثقفي بلاد الشام من مجايلي جبران خليل جبران غير مهتمين بالسياسة والنقابة، كان لهم حضور في التجارة الصغيرة، تجارة الخدمات.

وكان جبران ومن خلاله العرب-الأمريكيون، واللبنانيون أساسا، في الأدب من شعر ونثر وفنون تشكيلية، وبهذا الاهتمام كانوا يعيشون بحنين إلى الشرق، كان قلبهم ساكنا الشرق ومقيما في اللغة العربية، وعلى العكس من ذلك كان خطاب وسلوك أجداد أوباما السلوك اليومي العام الذي يوصل إلى السياسة والتفكير في الاندماج في مشروع المشاركة في التغيير المؤسساتي.

أوصلنا جبران خليل جبران وحزبه الأدبي الرابطة القلمية العرب إلى القصيدة النثرية العربية، وأوصل حزب أجداد أوباما الأفارقة إلى البيت الأبيض.

لذا وأنا أتابع انتخابات الولايات المتحدة الأمريكية تساءلت ماذا كان سيقول جبران خليل جبران العربي الأمريكي لو أنه عاد اليوم ووقف في طابور لانتخابات رئاسية يقودها حفيد إفريقي، أكان سيقول أين هم أحفادي أنا؟ إنهم يا جبران يا زعيم الحزب الأدبي الأول في تاريخ العرب، إن أحفادك لا يزالون يتغنون بفلسطين الضائعة ويقاتلون الطغاة الجدد المعاصرين وإن كانوا عربا وفي فمهم لسان عربي إلا أنهم لا يختلفون في قمعهم وتسلطهم عما عشته وجيلك من غطرسة نظام الخراجي العثماني، ذاك النظام الذي أحرق كتابك “الأرواح المتمردة”.

والشعر يا جبران ليس بخير ولا الشعراء واللغة العربية كما تركتها في آخر الترتيب، معرضة للانقراض كما هو شعبها.

وسلام عليك يا جبران.

مقالات ذات صلة