الرأي

تجييشٌ طائفي خطير في العراق

حسين لقرع
  • 2491
  • 10

المتتبّع لما يجري في العراق منذ سقوط الموصل وعددٍ من المدن في يد “ثوّار العشائر” و”الدولة الإسلامية”، يلاحظ تصاعداً خطيراً للخطاب الطائفي وتجييش المدنيين الشيعة لحمل السلاح تحت غطاء حماية “المزارات المقدّسة” التي تهدّد “الدولة الإسلامية” بتفجيرها في النجف وكربلاء.

كل المؤشرات تنذر بسير العراق باتجاه حرب طائفية أهلية جديدة تتجاوز في خطورتها ومآسيها الحربَ الطائفية التي ضربته في 2006 و2007 بسبب تفجير أنصار الزرقاوي ضريحين شيعيين، وأدت إلى مقتل نحو 180 ألف من أبناء السنة والشيعة، تحت أنظار الاحتلال الأمريكي. وإذا اندلعت فتنة طائفية جديدة لا قدّر الله، فقد يسقط أيضاً مئاتُ الآلاف من الضحايا من الجانبين بالنظر إلى الاحتقان السائد في البلد وتصاعد الأحقاد ومشاعر العداء وكراهية الآخر والاصطفافات المذهبية التي بدأت تنخر وحدة الشعب وتماسكَه الاجتماعي.

“الدولة الإسلامية” أخطأت حينما هدّدت بتفجير أضرحة الشيعة وتسويتها بالأرض؛ وكأنها مصرّة على تكرار فتنة 2006  التي تسبّب فيها أتباعُ الزرقاوي، لتؤلّب بذلك ملايين الشيعة ضدها، داخل العراق وخارجه، وتفتح على نفسها جبهة قد لا تكون لها طاقة بها، ولكن “المرجعيات” الشيعية أيضاً وقعت في خطإ أكثر فداحة حينما سارعت إلى ترديد خطاب تحريضي طائفي لحشد المتطوعين الشيعة لقتال إخوانهم من أبناء العشائر السنية، وتصوير الأمر لهم على أنه حربٌ ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” وحدها، وهذا تضليلٌ مقصود وتعتيم على الحقائق، هدفه الأول والأخير هو نصرة حكومة مالكي الطائفية ومنعها من السقوط حفاظاً على مكاسب الشيعة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003 إلى حدّ الساعة، وهو الاحتلال الذي ساندته تلك “المرجعيات” آنذاك ورفضت إصدار فتاوى بوجوب النفير إلى الجهاد ضده.

لقد أثبت المالكي طوال ولايتين من حكمه، أنه زعيمٌ للشيعة وليس لكل العراقيين، فانحاز لأبناء طائفته، وأمعن في تهميش السُّنة وإقصائهم واضطهادهم وملأ السجون بالمعارضين منهم لسياساته الاستبدادية، وكأنه ينتقم من سنوات حكم صدام المحسوب على السّنة، ورفض الإنصات لكل التحذيرات والتنبيهات والنداءات إلى ضرورة تغيير سياسته التمييزية ومعاملة كل العراقيين على قدم المساواة، ما فجّر انتفاضة أبناء العشائر السُّنية ضدّه بعد أن طفح كيلُها.

ويُخشى الآن أن تندلع حربٌ طائفية واسعة تأكل الأخضر واليابس، وأخرى عِرقية بدأت بوادرها مع “البشمركة” في كركوك، وأن تتدخل إيران بثقلها العسكري الكبير لمنع سقوط المالكي وعودة السُّنة إلى الحكم، وأن تستبيح الطائراتُ الأمريكية دون طيار “درونز” أجواء العراق وتقتل آلافَ المدنيين كما فعلت في أفغانستان وباكستان واليمن.. تحت غطاء “مكافحة الإرهاب”، فيكون نتيجة كل ذلك ضياع العراق وتفكّكه إلى ثلاث دويلات على أسس طائفية وعِرقية، وربما صوْملته وتحوّله إلى دولة فاشلة جديدة في المنطقة العربية.

ولمنع الكارثة التي لن يسلم أيّ طرف من لهيبها، سواء داخل العراق أو دول الجوار، لا بدّ من توقف التجييش الطائفي وتهيئة الأجواء المناسبة للدخول في حوار وطني جامع بين كل الأطراف العراقية يفضي إلى إنشاء حكومة وحدةٍ وطنية تعيد التعايش بين كل العراقيين وتحفظ للبلد وحدتَه قبل فوات الأوان، على أن يتنحى المالكي عن الحكم وترأس الحكومة الجديدة شخصية معتدِلة، يجتمع حولها السنة والشيعة معاً.

مقالات ذات صلة