الرأي

تحاليل.. أخماس في أسداس!

محمد سليم قلالة
  • 943
  • 10
ح.م

الكثير من التحاليل التي أسمعها اليوم عن الوضع السياسي في البلاد تبدو لي كأخماس في أسداس. ليس هناك من يملك المعطيات الحقيقية عمَّا يجري، وقليلهم الذين يستطيعون التركيب بين طرفي المعادلة التي تحكم مستقبل أي دولة، أي دور العامِلَين الداخلي والخارجي. بل الأكثر من ذلك نادرا ما ينطلق تحليل الكثير من حقيقة أصبحت ساطعة كالشمس مفادها أن كل الناس اليوم، إنما هم على علم بما عليهم فعله أو عدم فعله وفي كل الظروف.

هل هناك مثلا مَن يستطيع إقناع أي كان بالقيام بنشاط سياسي بمعنى الكلمة، بعيدا عن تحقيق مصالح ضيقة (مادية في الغالب)، هل هناك من يشارك في مثل هذه النشاطات انطلاقا من قناعات تحمل فكرا سياسيا في إطار رؤية واضحة لها مرجعية ومقومات وأهداف…؟

لذلك، فإن الحديث في الشأن السياسي، يبدو لي أنه اختفى اليوم، لتحل محله متابعة أدوار وتصريحات يقوم بها بعض الأشخاص هنا وهناك في الغالب دون محتوى يُذكَر. وعليه، فإنه من الأجدر بنا اليوم، إذا كُنَّا فعلا نرغب في العمل السياسي، أن نُثير مسألة الأفكار قبل مسألة الأشخاص، لأن غياب الأفكار أخطر على مستقبلنا من غياب الأشخاص.

 بمعنى آخر علينا طرح الأفكار السياسية التي بإمكانها تجسيد مبدإ التحسين المستمر الذي ينبغي أن يُصبح عنوان مرحلتنا القادمة، بدل التخويف من المستقبل أو التخويف به أو التبشير بأنه لن يكون سوى وردي، أي أن تطرح بجدية حقيقية مسألة طبيعة الخيارات الاستراتيجية التي ستحكم بلادنا في السنوات القادمة في التعليم والصحة والعدالة والصناعة وباقي القطاعات. كيف ستكون؟ وهل هي صحيحة؟

مشكلتنا هي هذه، هل نحن بصدد تعبئة الرأي العام ضد أو مع أشخاص جدد؟ أم نحن بصدد تعبئته ليتعلم كيف يطرح أفكارا جديدة تهم مستقبله؟ بمعنى آخر، هل نحن بصدد فتح نقاش حول أولويات المرحلة القادمة وكيفية تجنيد الموارد لتحقيقها ومَن يقوم بذلك وكيف؟ أم بصدد إثارة الجدل حول مصير فلان أو علاّن؟

أظن أن التحليل السياسي الحقيقي ينبغي أن ينصب على هذه الجوانب في هذا الوقت بالذات، بدل أن ينصب حول إلهاء الناس من خلال مواقع التواصل الاجتماعي خاصة، بأخبار نصفها صحيح ونصفها الآخر كاذب، المتعلقة بهذا أو ذاك، خالية من كل فكر ومن كل محاولة لتنشيط خلايا الذكاء والتبصر واستشراف المستقبل.

إننا نضيع الكثير من الوقت في ضرب أخماس في أسداس بخصوص مصير هذا أو ذاك، ونشد الرأي العام إلى تفاصيل التفاصيل الشخصية الكاذبة أو الصادقة عن بعض الناس، في حين لا نبذل جزءا من الجهد لمحاولة دفع الناس إلى طرح الأفكار السليمة التي يمكنها وحدها أن تخدمهم وتخدم بلدهم وتُعيد صناعة الأمل، المنطلَق الأول لأي بناء مستقبلي جاد وحقيقي نتطلع إليه…

مقالات ذات صلة