الرأي

تدريس العلوم اليوم

نظمت “الألكسو” في الحمامات بتونس مؤتمرا بين 13و15 جويلية الجاري بعنوان “المنتدى الإقليمي الأول حول تدريس العلوم في المنظومات التربوية العربية: واقع وآفاق”. وقد تعاونت المنظمة مع عدّة جهات، منها المركز الدولي للتكوين التربوي “سيفوب”، والمعهد العالي للتربية والتكوين المستمر بتونس. وشاركت فيه إضافة إلى عدد كبير من الخبراء العرب جامعة هالام شيفيلد البريطانية وجامعة بورغونيا الفرنسية. وعرض عديد الأساتذة تجارب بلدانهم، مثلما فعل عبد الله الكمالي، مدير البرامج الخاصة في الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي فتحدّث بإسهاب عن دور هذا الصندوق في رعاية البحث العلمي في المراحل التعليمية. ونحن نقرأ اليوم في وسائل الإعلام العالمية أن هذه الهيئة جعلت قطر قبلة لعدد كبير من الباحثين عبر العالم.

كما استعرض السعودي خالد البراك، رئيس مشروع “التعلّم النشط” الرائد في مجال التعليم الذي أطلق هناك بعد الوقوف على سلبيات التعليم بالمملكة. ومن المتدخلين أيضا منير قوجة، مدير دائرة العلوم في مؤسسة “سيفوب” وتناول فرص إدراج مقاربة الاستقصاء في المنظومات التربوية العربية على ضوء التجربة الأوربية. وتحدّث الخبير المصري أمين فهمي عن “المقاربة المنظومية” التعليمية وأشار بقوة إلى ضرورة تدريس العلوم بها في الوطن العربي استشرافا لمستقبل أفضل.

أما المشاركون من الأردن وتركيا فكان إسهامهم كبيرا في توضيح تجاربهم التعليمية الجارية بالتركيز على تكوين المعلم وعلى ما يُسمّى بمشروع “السلسلة المتفاعلة”. واستمع الحاضرون إلى تجارب أخرى من وبريطانيا وفرنسا. وركز أبو القاسم البدري، مدير إدارة العلوم بالألكسو على ما يعرف بـ”حقيبة الباحث العربي الصغير”. وشدد العديد من الباحثين على أهمية العناية بفلسفة وتاريخ العلوم في المناهج التربوية، وذلك أيضا ما جاء في توصيات المؤتمر. أما وزير التربية الأسبق التونسي عبد اللطيف عبيد فأكد في مداخلته على أهمية تدريس العلوم باللغة العربية، ولم يترك فرصة خلال أيام الملتقى إلا ونبّه إلى هذا الموضوع الشائك.

واستمع الحضور إلى تجارب أخرى كالتي جرت في تونس على مجموعة من الأساتذة المتطوعين وأظهرت نتائج طيّبة لدى التلاميذ أو تلك التي تميّزت بربط الدروس داخل حجرة الدراسة بالمتابعة الميدانية في الحقول والمزارع. وأشار المتحدثون إلى أن التلميذ يُجبَر في عدد من البلدان، ومنها البرتغال، وفق البرنامج الدراسي على قضاء مدة طويلة جدا خارج المدرسة، وتحديداً في الدور والنوادي العلمية… وهنا يؤكد المختصون على ضرورة فتح مراكز ونوادي علمية في كل المدن والقرى ليؤمّها التلاميذ بهدف تحفيزهم على الدراسة عندما ترتبط نشاطاتها بمضامين المناهج.

هؤلاء قدموا ابتكاراتهم بلغة انجليزية ممتازة إلى جانب تقديمها باللغة العربية، وهذا دون أي خلط بين اللغتين. سألنا أصغرهم الذي رافقه والداه (12 سنة) كيف أتقن الإنجليزية في هذا السن المبكرة؟ فكان الجواب أنه لم يتلق أيّ دروس خصوصية وكل ذلك مبنيٌ على جهده الخاص، وحتى والدته نفت أنها تساعده.

فهل فكرنا في الجزائر في هذا الاتجاه وألزمنا دور الثقافة بهذه المهمة: عدم الاكتفاء بالعناية بالفلكلور والشعر والغناء والمسرح… والتركيز على فتح النوادي العلمية وتجهيزها بالتعاون بين وزارات الثقافة والتربية والبحث العلمي والشبيبة؟ وفي هذا السياق تحدّث صالح نصر، المدير العام لقصر العلوم بالمنستير على الدور الفعال لمؤسسته في تقريب العلوم للتلاميذ. وذلك بتوجه طاقم القصر دوريا إلى المدارس عبر التراب التونسي لتقديم يد العون في عين المكان، فيفيد التلاميذ ويعزز قدراتهم الفكرية.

وفضلا عن هذه الإسهامات، برمج المنتدى في يومه الأخير معرضا شيّقا لأدوات تعليمية من صنع وتصميم مؤسسة رائدة تونسية يشرف عليها الشاب النشط أبو بكر اليعقوبي. وقد أثبتت هذه الأدوات جدواها لدى التلميذ وحصلت المؤسسة على تأشيرة وزارة التربية التونسية، فليتها تتعاون مع بعض الجهات التربوية الجادّة في الجزائر ليستفيد منها تلاميذنا.

واختتم الملتقى بتقديم أربعة تلاميذ تونسيين موهوبين (تتراوح أعمارهم بين 12 و14 سنة) ابتكاراتهم، وهي: سماعة ترشد المكفوفين، روبوت، جهاز يخدم المصابين بالسرطان، لوحة إلكترونية. والجميل أن التلميذ ذا الـ12 سنة يعمل ويبتكر منفردا في منزله (أمه ماكثة في البيت ووالده يعمل في مجال السياحة)، وقد أتى بكل معلوماته من مواقع الانترنت.

والأجمل من ذلك أن هؤلاء قدموا ابتكاراتهم بلغة انجليزية ممتازة إلى جانب تقديمها باللغة العربية، وهذا دون أي خلط بين اللغتين. سألنا أصغرهم الذي رافقه والداه (12 سنة) كيف أتقن الإنجليزية في هذا السن المبكرة؟ فكان الجواب أنه لم يتلق أيّ دروس خصوصية وكل ذلك مبنيٌ على جهده الخاص، وحتى والدته نفت أنها تساعده. نذكر ذلك لمقارنة هذا التوجه لدى عناصر من هذا الجيل الصاعد بمسعى الجيل الآخر الذي لا يزال “يناضل” من أجل تدريس المواد العلمية بالفرنسية في المغرب العربي الكبير  !

نشير أيضا إلى أن منظمة “الألكسو” تعمل منذ نحو سنة على إصدار أدلة في الرياضيات والفيزياء والكيمياء لدعم مهارات المعلم العربي، وهي مبادرة لا يسعنا إلا أن نثني عليها في هذا السياق. وكان هذا الموضوع محورا هاما من محاور المنتدى.

 أليس من سوء التدبير أن نكتفي بإرسال وفودنا دائما إلى فرنسا للاستفادة من تجاربها التربوية أو نأتي بخبرائها دون غيرهم، وألا نلتفت إلى التجارب الناجعة من حولنا مثل تونس وقطر والسعودية والأردن ومصر وغيرها من البلدان التي تنشط وتجتهد بحثا عن الحلول للمشاكل التربوية التي نتخبّط فيها جميعا؟

ومما أكدت عليه توصيات المؤتمر هو ضرورة تأهيل المعلمين على استخدام التكنولوجيا، وعلى إنشاء الأندية العلمية العربية والمنافسات والجوائز المختلِفة المستويات وتدريب المعلمين. كما تمّ التأكيد على حتمية تدريس العلوم باللغة العربية في جميع مراحل التعليم.

والغريب أن الدعوة إلى المشاركة في هذا المنتدى قد وُجِّهت إلى وزارات التربية العربية ووزارات التعليم العالي وغيرها، وهذا ما طالعناه في وثيقة الملتقى. ولذا لا شك بأن المعلومة وصلت إلى وزارة التربية في الجزائر. ورغم ذلك لم يشارك في هذه التظاهرة أي جزائري، باستثناء صاحب هذه التغطية. أليس من العيب على وزارتنا أن تفوّت هذه الفرصة وألا ترسل عددا معتبرا من رجال الميدان (مفتشون ومعلمون وأساتذة إضافة إلى بعض الرسميين) لاكتشاف هذه التجارب التي تجري في بلدان تعيش مشاكلنا وتقدم لها الحلول الناجحة؟

أليس من سوء التدبير أن نكتفي بإرسال وفودنا دائما إلى فرنسا للاستفادة من تجاربها التربوية أو نأتي بخبرائها دون غيرهم، وألا نلتفت إلى التجارب الناجعة من حولنا مثل تونس وقطر والسعودية والأردن ومصر وغيرها من البلدان التي تنشط وتجتهد بحثا عن الحلول للمشاكل التربوية التي نتخبّط فيها جميعا؟

يدّعي الكثير من المسؤولين في بلادنا أننا أحسن من الآخرين في مقاربتنا للمسائل التربوية والعلمية فيترفَّعون عما يجري في الجوار والبلدان الشقيقة جهلاً وحماقةً، وما نظن غياب الجزائريين من وزارة التربية خارجًا عن هذا النطاق. فمتى نتواضع ونستفيق؟

مقالات ذات صلة