الرأي

تدهور نظام التعليم .. من المسؤول؟

عبد القادر فضيل
  • 5298
  • 0

إن الأوضاع الحالية في التعليم تدعونا إلى مناشدة المسؤولين في الدولة ليوجهوا عنايتهم لإيقاف هذا التدهور، ومعالجة ما أصاب قطاع التربية ومسّ النظام الذي يسيره، النظام الذي يؤلمنا أن نراه يعاني وينتظر من يعالجه ويزيل عنه هذه المعاناة التي بدأ المواطنون يحسّون بوجودها.

والدعوة إلى معالجة ما يعانيه النظام تعني التنبيه إلى ما ينبغي عمله لإنقاذ المريض من علّته أو إبعاد العلة عن محيطه حتى لا تنتشر أعراضها في بقية عناصر جسمه.

ومظاهر العلة التي أعنيها بدأت تظهر أعراضُها على واقع سير النظام التعليمي، وهي الغموض في التوجّه والضعف في المستوى، وهاتان العلّتان مسّتا أهم عناصر جسم النظام (مسّتا بالمناهج وتكوين المعلم، والكتب المدرسية وما تحمله هذه الكتب) ومسّ الغموض بصفة خاصة الرؤية الفكرية التي تسيّر النظام، وتعتمد في اتخاذ القرارات.

ومن مظاهر الضعف الذي نراه ينتشر: القرارات الارتجالية التي هزّت التعليم في السنوات الأخيرة وارتكبته، وهي التي بدأنا نسمع الحديث عنها في أوساط الصحافة التي تلقفت الأخبار مما يجري في الميدان، ونقلت إلينا بعض القرارات التي تعتزم الوزارة اتخاذها، والتي حين نتأمّلها تجدها لا تنطلق من خطة مدروسة، ولا تحمل فكرا تربويا ناضجا، إنما هي محاولات قائمة على رؤية ذاتية، هدفها إحداث وضع ينسجم مع هذه الرؤية، ولا يهم إذا كان هذا الوضع يساير الاتجاه الوطني السليم، أو كان مجرد محاول تغيير تستهدف إثبات فكرة تعبِّر عن قناعة المسؤول أو نشر رأي يعزِّز هذه القناعة، مثل الرأي الذي استمعنا إليه في الصيف الماضي في أعقاب الندوة الوطنية بخصوص الدعوة إلى تدريس اللغة الدارجة في التعليم، ومثل المحاولة التي نسمع عنها في هذه الأيام بخصوص القرارات التي تنوي الوزارة اتِّخاذها بهدف تغيير المناهج، وتجديد الكتب، ومراجعة واقع تدريس اللغة الفرنسية، لقد نشرت الصحافة معلومات مفادها أنه يوجد عدد من الخبراء الفرنسيين دعوا لمراجعة وتجديد المناهج، حيث أن مسعى هذه الهيأة يتجه إلى تحقيق جملة من الأهداف:

1- ترقية تدريس اللغة الفرنسية برفع حجم توقيتها ومراجعة كتبها.

2- مراجعة طريقة تعليمها بإعطائها وجهة جديدة، تعلّمها كثقافة وليس كلغة، حسب ما بلغنا.

3- هناك جانبٌ يتوقع التفكير فيه وهو تنزيل تعليمها من السنة الثالثة ابتدائي إلى السنة الثانية أو الأولى ابتدائي.

4- يتجه مسعى هذه الهيئة إلى مراجعة كل الكتب الخاصة بتعلم اللغة الفرنسية بحيث تصبح كتبا تحمل طابعا ثقافيا إلى جانب الطابع اللغوي.

ومن الأمور التي تم التصريح بها هي إعادة النظر في كتب السنتين الأولى والثانية في الابتدائي وكتب السنة الأولى من المتوسط، وتطبق في السنة القادمة، هذا ما سمعناه في التصريحات والتي أوضحت أن هناك اتجاها جديدا يقضي بتجميع عدد من المواد في كتاب واحد، حرصا على تخفيف محفظة التلميذ، ولكننا لا ندري ما هي المواد التي سيتم تجميعُها في كتاب واحد؟ هل هي كل المواد المقررة؟ أم هي تجميع المواد العلمية في كتاب والمواد الأدبية في كتاب، ولكن مضمون المواد المقررة في السنة الأولى وفي السنة الثانية يتركز في اللغة وفي الرياضيات (القراءة والحساب)؟

أما المواد الأخرى مثل: التربية الإسلامية والتربية العلمية والتربية المدنية، فلا تحتاج هذه المواد إلى تخصيص كتب، ولا داعي لجعلها جزءاً من كتاب السَّنة الأولى بالخصوص، وحتى السنة الثانية، وقد كتبت مقالا نبّهتُ فيه إلى أن وجود هذه الكتب الثلاثة في السنة الأولى ابتدائي، لا معنى له، لأن التلميذ في هذا المستوى لا يعرف القراءة، فلماذا ترهقه بحمل كتبٍ لا يستفيد منها، ويكفي في السنة الأولى والثانية أن يركز التعليم على القراءة والحساب، وبعض الأنشطة الشفهية والممارسات اليدوية مثل الخط، والرسوم والأشغال اليدوية؟!

والمشكلة التي تُثار في ميدان تجديد الكتب هي: كيف تؤلِّف كتابا جديدا للسنة الأولى من المتوسط، قبل أن يؤلّف ويحدد مضمون كتاب السنة الخامسة ابتدائي، المفترض أن التجديد لا يكون إلا بعد أن يحدّد مضمون كتاب السنة الخامسة.

 لا نعيب على الوزارة استعانتها بالخبراء الأجانب إذا كانت الحاجة تدعو إلى ذلك، ولكن ما نعيبه هو: أن يسند لهؤلاء النظر في قضايا تربوية حساسة لها صلة بالمواقف السياسية الوطنية وخيارات الأمة وخصوصيات الطفل الجزائري، والتعامل مع اللغة الأجنبية يطرح هذه الجوانب.

لهذا قلتُ في بداية الحديث إن أوضاع التربية في تدهور مستمر ويتطلب من المسؤولين أن يوجِّهوا جهودهم لمعالجة التدهور، والعلاج ممكن، والمقترح هو تكوين هيئة عليا في مستوى الدولة يُسند إليها التفكير في قضايا التربية وفي ضبط الوجهة التي تسير عليها المدرسة ويطبقها النظام، حتى تكون هذه الهيئة هي المرجع العلمي والتربوي المعتمَد في التخطيط لمشاريع الوزارة، كنا نتمنّى أن يحدد الدستور هذه الهيئة ضمن الهيئات التي يرجع إليها التفكير في تحديد مستقبل التربية، لأنها هيئة لها قيمتها، ويجب أن ينص عليها لتكون المرجع الذي ترجع إليه الوزارة وسواء أعطيناها مصطلح “المجلس الأعلى للتربية” أو أعطيناها مصطلحا آخرا، المهم أن توجد هذه الهيئة التي تضمّ عددا من الخبراء الذين همّهم الأساسي هو متابعة قضايا التربية والتفكير في تطوير سيرها وتجديد أساليب تطويرها.

إن التصريحات الصادرة عن الوزارة تبيّن أن جهود الوزارة مقدَّمة على تجديد المناهج التعليمية في المرحلة الابتدائية، وإعادة النظر في الكتب المدرسية الخاصّة بالسنتين: الأولى والثانية وكتب السنة الأولى من التعليم المتوسط، وهذا يعني أننا في الموسم القادم سنطبِّق أفكارا جديدة من خلال كتب جديدة، ولكن من دون أن يُدرس هذا المشروع ويُناقش ضمن هيئة وطنية، وهذا يعني أننا مازلنا لم نتخلَّص من القرارات الارتجالية.

كان المفترض أن يحدَّد المضمون الجديد ويوضع في حالة تجربة في مدرسة أو مدرستين، للنظر في مدى ملاءمة المضمون الجديد لما هدفنا إليه، وبعد ذلك يراجَع ويصحَّح ويُقوَّم، وحتى إذا لم تصنعه في حالة تجربة فإنه يمكن طبعُه وتوزيعه على عددٍ من المربين والمختصين ليناقشوه ويراجعوه ثم تلخّص النتائج التي تعتمدها في التطبيق بعد ذلك، هذا ما ينبغي أن نسعى إليه في عملية التجديد حتى يزول الخلل الذي سرنا عليه منذ الانفتاح السياسي.

ولا تعني هذه الملاحظات أننا نعيب على الوزارة تركيزها في مشاريع التجديد على المرحلة الابتدائية، بل بالعكس، إننا نهنِّئها على ذلك لأنَّ السنوات الأولى من هذه المرحلة هي الأساس الذي يُبنى عليه نظامُ التعليم، ولكن ما نعيبها عليه هو أن الموضوع لم يُدرَس دراسة علمية، لم تحدد الأهداف، ولم تضبط دواعي التغيير.

 قد يقول قائل: إن الموضوع دُرس من قبل هيئات الوزارة ولكن لم يُقترح ذلك للمهتمين بالتربية والتعليم، ولم يُمكَّنوا من فهم جوانب الموضوع، وأهداف البحث ودواعي التغيير لأننا نخشى أن يتم التجديد وتُؤلَّف الكتب ولكننا عند ذاك قد نفاجئ بأن التجديد لم يستجب لما كنا تطلعنا إليه، لذلك قلتُ إن التجديد ينبغي أن تسبقه دراسة علمية وشرح دقيق للفكرة لأن ما سمعناه هو مجرّد إعلان عن قرار يقضي بإعادة النظر في المناهج والكتب للسنة القادمة.

وكذلك لا نعيب على الوزارة استعانتها بالخبراء الأجانب إذا كانت الحاجة تدعو إلى ذلك، ولكن ما نعيبه هو: أن يسند لهؤلاء النظر في قضايا تربوية حساسة لها صلة بالمواقف السياسية الوطنية وخيارات الأمة وخصوصيات الطفل الجزائري، والتعامل مع اللغة الأجنبية يطرح هذه الجوانب.

مقالات ذات صلة