الرأي

تركيا ـ فرنسا ـ الجزائر.. قراءة في سجل التاريخ!

محمد سليم قلالة
  • 2001
  • 12
ح.م

في 24 فيفري 1525، تم أَسْرُ الملك الفرنسي “فرانسوا الأول”، على إثر هزيمته العسكرية جنوب “ميلان” الإيطالية، ونُقِل إلى إسبانيا، حيث غريمه “شارلكان” الطامع في الهيمنة على أوروبا واستعادة شمال إفريقيا، ومن بينها الجزائر إلى الدائرة الصليبية بعد سقوط الاندلس(1492). لم تجد والدة الملك الفرنسي بِمَن تستنجد سوى بسلطان ذاع صيته في تلك الفترة هو خليفة المسلمين سليمان القانوني الذي عُرِف في الغرب باسم le magnifique.

ولم يتردد السلطان المسلم في الاستجابة لنجدة دولة مسيحية كانت على أبواب الانهيار. وبالفعل خاض السلطان التركي الحرب ضد أعداء فرنسا من المجر إلى النمسا إلى إسبانيا، ومَكَّن الملك الفرنسي من استعادة ملكه، ومَنحه الأمان بشأن حرية المعتقد والعبادة…. ومنذ ذلك التاريخ والعلاقات الفرنسيةـ العثمانية على أحسن حال لمدة زادت عن القرنين، حتى أصبحت من الأدلة التي تُقدَّم لنقض نظرية صدام الحضارات على أساس ديني، لـ”صمويل هتنغتن”… فها هي عبر قروندولة مسلمة كبرى تَحمي دولة مسيحية من المسيحيين أنفسهم، حتى قيل إنه لولا التدخل العثماني في تلك الفترة لما بقي للهوية الفرنسية وجود…وهاهي عبر قرون دولة مسلمة كبرى تتعامل مع دولة مسيحية تجاريا على أوسع نطاق. وكان للجزائر دور كبير في هذه الحماية العثمانية وهذا التعامل التجاري مع فرنسا بالذات، حيث كان أسطول خير الدين بربروس، يتمركز بموانئ جيجل وبجاية، ومدينة الجزائر، ليحمي الشمال الافريقي المسلم، ولا يتردد في تقديم الدعم لمملكة فرنسا الخائفة آنذاك، وكانت خيرات الجزائر تتدفق على الإقليم الفرنسي الذي تُهدّده المجاعة…

ولم تَنقُض الدولة العثمانية عهدها، بل فرنسا هي مَن فَعلت… حيث تحالفت مع المجر والنمسا وإيطاليا لمنع المسلمين من فتح مدينة “فينا”، واحتفلوا جميعا برد المسلمين عن أسوارها بطبخ حلوى على شكل هلال وأكلها كل صباح انتشاء بانتصار الصليب…

وفي سنة 1798 لم يتردد نابوليون في شن حملة احتلال ضد مصر التي كانت جزءا من الدولة العثمانية التي حافظت على دولته من الانهيار. وفي سنة 1830 لم يتردد شارل العاشر في احتلال الجزائر التي حَمَتْ موانئها أجداده وأطعَمت شعبه، وبعد سنة 1916 لم يتردد وزير خارجية الدولة الفرنسية “بيكو” في تقاسم ما بقي من الدولة العثمانية التي حافظت على كيان دولته، مع نظير البريطاني “سايكس” فيما عُرف باتفاقيات “سايكس بيكو”… وأخيرا لم يترددا معا وبتحالفٍ غربي واضح في التمهيد لانتزاع فلسطين من أهلها وإقامة الكيان الصهيوني بديلا مكانها… وفي العشرية الأخيرة، وعلى خُطى أسلافه لم يتردد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي هو الآخر، في غزو ليبيا الآمنة سنة 2011 ثم تركها خرابا ودمارا، وهي التي آزرته ودعمت بلده ماليا في أكثر من مناسبة… واليوم ها هي فرنسا تتحالف مع الكيان الاسرائيلي، ومصر، واليونان وإيطاليا وقبرص ضد تركيا، فقط لأن هذه الأخيرة أرادت حماية حدودها البحرية ورفضت التآمر على جزرها وثرواتها تحت البحر.

مَن يقف إلى جانب تركيا اليوم؟ ينبغي لنا قراءة التاريخ، ومعرفة أن عمقنا الاستراتيجي هو البحر المتوسط، وأن حليفنا في هذا البحر، كما كان في القرن السادس عشر، ليس سوى الأتراك العثمانيين، معهم استطعنا أن نكون أسيادَ المتوسط لأزيد من 04 قرون، ومعهم بإمكاننا العودة ثانية إلى ما كُنَّا عليه…

مقالات ذات صلة