الرأي

تهريب الرؤوس.. والمال..

عمار يزلي
  • 1274
  • 5
ح.م

لعلَّ أكبر ظاهرة لم تظهر، لم يُظهرها أحد.. ولا اثنان، هو الشطب من السجلات المدرسية لتلامذة غادروا المدرسة الجزائرية بداية من الدخول المدرسي هذا.. من الابتدائي مرورا بالمتوسطات والثانويات. شطب تلامذة.. ليس لأنهم رسبوا أو طُردوا وإنما لأنهم نقلوا.. تنقلوا.. خرجوا.. ذهبوا.. هربوا.. نسميه ما شئنا.

أكيد، أن العدد لا يدعو إلى التخوف أو الهلع، لأن العدد قد لا يتجاوز بضعة آلاف؟ (والآلاف عدد مخيييف)… والظاهرة لم تمس كل المؤسسات التربوية بل فقط المؤسسات حيث يتمدرس أبناء الأثرياء والوجهاء الذين يعمل البعض منهم في خضم التحولات والإقالات والتعامل مع الفساد على التخويف والترهيب مما سيأتي. هم أنفسهم من سمعنا ونسمع عنهم كل يوم في المطارات بشأن تهريب العملة نحو أوروبا وتركيا وغيرها..

إنهم يهربون.. ويهرّبون العملة وأبناءهم.. وأموالهم التي يعرفون أنهم حصلوا عليها بطرق غير سليمة.. والبعض يخاف على مستقبل أبنائه وماله لاعتباراتٍ نفسية وتخوُّف من القادم، مع أنهم يعرفون أن منهم من يفسدون القادم بهذا العمل وهذه الممارسات.

فرنسا، وموقفها من الجزائر مؤخرا، ليس موقفا بريئا، وحتى ميركل وألمانيا بشأن أبنائنا الحراقة.. ليس بريئا.. ونحن أيضا لسنا أبرياء أن أوصلنا الأمر إلى هذا “الموصل”.. وهذا “البصرة”.. أوروبا تريد أن تبقي الجزائر دوما سوقا لها.. وحديقة خلفية تتسلى بها وسلة مهملات لنفاياتها، من خلال ممارسات بعض كوادرها هناك.. وكيادرها.. هنا.. ليس كل رجال الأعمال سواء.. كثير منهم وطنيون ويعملون لمصلحة الوطن.. ويثقون في الخروج من الضائقة المالية ومن الأزمة بالبقاء والتمترس خلف القوانين الاستثمارية التي هي لصالحهم اليوم.. ولا نعرف ماذا يكون عليه الأمر غدا خاصة وأن أعداء التنمية الوطنية وأصحاب الحنين إلى الماضي الاستعماري يتضايقون من قاعدة 51/49.. رغم أن هذه القاعدةّ في بلادنا قد شذت عن كل القواعد واستعملها الكثير من رجال المال والسياسة والقوة الوسخة.. للتربُّح ببلاش.. يكفي أن تكون صاحب نفوذ لتصبح صاحب نقود.. وهو روح الفساد وقلبه وعينه.. الفساد الذي استشرى تقريبا في كل دواليب الكيانات: سياسية، اقتصادية، إدارية، ثقافية، فنية، رياضية، دينية.. في وقت كنا فيه أيام اشتراكية بومدين نخيِّر الناس بين المال والسياسة.. بومدين خير مثلا، قايد أحمد، الذي عارض الثورة الزراعية، بين “الثورة والثروة”.. حصل ذلك إثر رفض قائد أحمد، مسؤول جهاز الحزب وقتئذ، قانون الثورة الزراعية والقاعدة الشبيهة بقاعدة 51/49، إنما في شكل شعار سياسي: الأرض لمن يخدمها.. فما كان من قايد أحمد إلا أن عارض بومدين بشعار “الأرض لمن يحبُّها”.. طبعا كلفه ذلك الاغتيال، وعودة من المغرب في صندوق، ومعاقبة كل مسؤولي تيارت الذين سهَّلوا لأهله إعادة نبش قبر الفقيد، لمعرفة كيف مات.. بأن أقال بومدين كل المسؤولين المشاركين.. بدءا من الوالي وانتهاء بالمسؤولين الأمنيين..

تهريب الأبناء التلاميذ والطلبة نحو فرنسا وإسبانيا من الابتدائي إلى الجامعي، يقول لي أحدهم، واقع معروف.. فلقد شاهد بعينيه وفعلها هو بنفسه.. تلامذة جزائريون ينقلهم أولياؤهم إلى فرنسا وإلى مؤسسات فرنسية في إسبانيا لمواصلة الدراسة ببرامج فرنسية.. من الابتدائي إلى الثانوي إلى الجامعي.. بتكلفة 600 أورو للتلميذ الواحد في التعليم العام.. كتكلفة تسجيل فقط.. ونحو 6 آلاف أورو في السنة لكل تلميذ.. وكيف أنه رأى أثرياء بسيارات مرسيدس ينقلون أبناءهم للتسجيل في سبتمبر ويتكفل بنقلهم سائقون مأجورون.. رغم أن المؤسسة تتكفل بالمتمدرسين لديها بنقلهم في حافلات خاصة بالمؤسسة.. توصلهم إلى بيوتهم وتنقلهم منها صباحا قبل 8.30.

أكيد أن وزيرة التربية تملك أرقاما بهذا الشأن، وحبذا لو تنوّرنا نوريّة بهذه الأعداد المنوّرة.. من المؤمنين بأن العلم نور.. في بلاد الجن والملائكة.. والجهل.. نار.. في بلاد ولد عباس ونورية.

مقالات ذات صلة