-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ثلاث قنابل نووية على غزة!

حسين لقرع
  • 1038
  • 0
ثلاث قنابل نووية على غزة!

دخلت الحرب التي يشنُّها الاحتلال الصهيوني على 2.3 مليون فلسطيني بغزة، شهرها الثاني، من دون أن تلوح في الأفق أيُّ مؤشراتٍ على قرب نهايتها، في ظلّ إصرار العدوّ على مواصلتها إلى غاية “سحقِ حماس”.
خلال هذا الشهر، ألقى الاحتلال أزيد من 35 ألف طن من المتفجِّرات على غزة وفقا للقيادي الحمساوي أسامة حمدان، أي ما يمثل ثلاث قنابل نووية بحجم قنبلة هيروشيما، وقتلَ قرابة 13 ألف فلسطيني باحتساب نحو 3 آلاف شخص ما زالوا تحت الركام، وأصاب أزيد من 25 ألف شخص بجراح مختلفة، كما دمّر الاحتلال أحياء سكنية كثيرة فأصبحت غير قابلة للحياة… لكنّ ذلك كلّه لم يشف غليل وزير التراث المسمى عميحاي إلياهو فصرّح بأن “قصف غزة بقنبلة نووية خيارٌ وارد حتى لا تبقى على وجه الأرض”، وهو الفكرُ الفاشي الذي يتساوق مع “فتاوى” أحبارِهم بأنّ “قتل العرب، حتى أطفالهم، وإفناءَهم تماما جائزٌ في الشريعة اليهودية لأنهم ليسوا بشرا”، وينسجم مع رسالة نتنياهو إلى جنوده قبل غزو القطاع “أذكر ما فعله بك عماليق” في إشارةٍ إلى ما ورد في كتاب صموئيل، الفصل 15، الآية 3: “والآن اذهبوا واضربوا العماليق وحرّموا كلَّ ما لهم، ولا تعفوا عنهم، بل اقتلوا على السواء الرجلَ والمرأة، الطفلَ والرضيع، بقرا وغنما، جملا وحمارا”!
هذا الفكرُ الفاشي العنصري الإجرامي هو الذي يحرّك آلة الموت الصهيونية لترتكب هذه المجازر كلّها أمام أنظار العالم، غير مكترثةٍ بأحد، إلا أنّ ذلك كلّه لم يحقّق للاحتلال هدفه الرئيس وهو تهجير سكان غزة إلى سيناء المصرية؛ فقد أصرّوا جميعا على البقاء فيها وإن اضطرّ 70 بالمائة منهم إلى مغادرة بيوتهم المدمَّرة والنزوح إلى مناطق أخرى بالقطاع، ولم يهرع فلسطينيٌّ واحد باتجاه معبر رفح طالبًا دخول مصر، رغم ما يمثله البقاءُ في غزة من خطر جسيم على حياته، وهذا في الواقع صمودٌ شعبيٌّ أسطوري سيخلّده التاريخ.
من جهتها، سجّلت المقاومة خلال شهر من القتال ملحمةً حقيقية، وصمدت في وجه الآلة العسكرية الصهيونية الجبّارة، ووثّقت عملياتِها البطولية بالصورة والصوت حتى تفضح العدوَّ المتكتّم على خسائره، ويرى العالمُ كلُّه بسالة صناديدها الذين يفجّرون الدبابات والجرّافات والمدرّعات من مسافات قريبة أو حتى بالوصول إليها مباشرةً ونسفها.
بعد شهر كامل، لم يتمكّن الاحتلالُ سوى من دخول مناطق مفتوحة وأخرى أحرقها بالطيران، لكنّه لم يتمكّن من تثبيت مواقعه، وهو يتقدّم خطوة ويتراجع خطوات تحت نيران مغاوير المقاومة الذين يظهرون فجأة من تحت الأنفاق ويوجِّهون ضربات خاطفة لآلياته العسكرية وجنوده ومرتزقته الأوربيين والأمريكيين، ثم يختفون. وإذا طال أمدُ هذه الحرب كما يردّد مسؤولو الاحتلال، فسيفقد الآلافَ من جنوده بين قتيل وجريح، ويغادر غزة ذليلا صاغرا، ليكون ذلك بداية نهاية احتلاله لفلسطين برمّتها.
الكيانُ الصهيوني يتعرّض لهزيمة عسكرية أكيدة في غزة، وأخرى إنسانية وأخلاقية أمام العالم؛ فمجازرُه المروِّعة المتواصلة بحقّ آلاف النساء والأطفال، ومحاصرة 2.3 مليون مدني فلسطيني وحرمانهم من الماء والغذاء والوقود والدواء، إلا قليلا، هو عقابٌ جماعي يمنعه القانونُ الدولي الإنساني، وجرائمُ حربٍ وإبادة أيقظت ضمائر شعوب كثيرة فبدأت تتحرّك ضدّها وتندّد بها وبداعمي الاحتلال، ليس في العالمين العربي والإسلامي فقط، بل حتى في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية نفسها، ما يعني أنّ شعوب العالم بدأت تراجع نفسها وتدرك أنّ الاحتلال هو النازيُّ والداعشي الحقيقي الذي ينبغي أن يُدان بقوة، وليس من يدافع عن أرضه.
ويُضاف إلى الهزائم العسكرية والأخلاقية والإنسانية للاحتلال، هزائم سياسية وديبلوماسية متوالية ترجمتها دعوةُ 120 دولة بالأمم المتحدة إلى وقف الحرب، وسحبُ العديد من الدول في أمريكا اللاتينية وإفريقيا سفراءها من الكيان، وكذلك فعلت بعض الدول العربية والإسلامية المطبِّعة وهي البحرين وتركيا والأردن والتشاد، في انتظار أن تقطع علاقاتِها كليا بالاحتلال وتعود إلى صفوف الأمة ونصرة قضاياها، كما مُنيت دولُ الغرب بدورها بخسارة أخلاقية جسيمة بسبب دعمها المطلق للاحتلال، ورفضها ممارسة أيِّ ضغطٍ عليه لإيقاف مجازره بحقّ الأطفال والنساء، وهو موقفٌ مخز سيسجّله التاريخ، ففي هذه الحرب، غضّت دولُ الغرب النظر عن سقوط القانون الدولي الإنساني والعودة مجددا إلى قانون الغاب الذي كان يحكم الصراعات البشرية إلى غاية العصر الحديث.
ربّما كانت خسائرُ المدنيين في غزّة كبيرة، لكنّ حرية الشعوب المستعمَرة لها ثمنٌ باهظ دائما حينما يتعلّق الأمرُ بمقاومة احتلالٍ استيطانيٍّ موغلٍ في الدموية والإجرام. هذا ما يؤكّده التاريخ.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!