-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جنازة مثقف كتب وما كسب

عمار يزلي
  • 3019
  • 0
جنازة مثقف كتب وما كسب

يرحل شيخ آخر من شموخ الفكر والثقافة و”كثيب” رملي شامخ، كتب في كل شيء وانتقد كل الأشياء! رحل، كما عاش، مدافعا عن البسطاء مهاجما “الطلقاء”! رحل الطاهر بن عيشة، المؤرخ العصامي والمفكر الشعبي الذي قيل عنه “من لا يعرف الطاهر بن عيشة، لا يعرف الجزائر”!

الجزائر بعمقها الشعبي والتراثي! كيف لا وهو الذي بحث في منطقة “الدوسن” عن أسماء النباتات وأنواعها وعدّها في المتر المربع! وهو الرحالة في إفريقيا وآسيا، باحثا عن كنوز التراث الإسلامي والمخطوطات النادرة والإسلام في الاتحاد السوفيتي وفي القارة السوداء! كيف لا وهو المعروف عنه أنه من قدم أطول محاضرة، دامت 24 ساعة في المركز الإسلامي بالعاصمة استمرت مع النقاش الحاد، يومين كاملين! لا يمكن تعداد مناقب الراحل ولا أن نرثيه في عمود أو حتى في كتاب! لكننا كما عرفناه، كان أحد أشرف الكتاب المستقلين الذي رفض التسيس والخنوع وطرد من التلفزيون بعد أكتوبر 88، ليصبح “نادلا” في مقهى اتحاد الكتاب، ولم يقل آه! بل سخر من الوزير الذي طرده ساعتها، لما زار هذا الأخير يومية الشعب ووجد بن عيشة حاضرا، فسأله بنبرة ساخرة: “آاه هذا أنت؟ واش راك تدير هنا؟” فرد عليه الراحل بن عيشة متهكما: “ها راني على كبري قهواجي!” وهو الذي قيل له: “كيف تسكن في بيت من غرفتين ضيقتين في حي شعبي وأنت كنت توزع مفاتيح الفيلات في الاستقلال وأنت من أعطيت مفتاح فيلا (لـ.. أديب راحل)”؟ فرد عليهم: “إذا سكنت أنا في فيلا، فمن يدافع عن الطبقة العاملة؟؟”

هذا هو جزء من شخصية المرحوم الطاهر بن عيشة، الكاتب الأديب الباحث والمؤرخ الأيقونة، الذي رحل عنا، كما رحل قبله آخرون من قامة القمم، الأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله! هذا الهرم الذي غاب عنا وعن التاريخ وعن الإبداع والبحث الأكاديمي مستقلا بفكره، نائيا بنفسه عن التجاذبات السياسية والتحزب الضيق. فقد كان حزبهما، هو “جزائر الفكر المستقل”.

نمت لأجد نفسي ممثلا للسلطة “ميرا” لبلدية مسقط رأس أديب ومثقف “عاش ما كسب، مات ما خلى”، حتى أنه ابتلي بممثل للسلطة مثلي لا يقل ولا يزيد عن “مير كرنفال في دشرة”! حيث رحت أرتجل خطبة تأبينية، والناس يتضاحكون ويبكون، والأطفال يقهقهون على مسامع موتى القبور، لأني كنت أؤدي دور “عثمان عريوات”: وهذا الكاتب على كل حال يعني، كان يكتب، والكتاب مليح للمطالعة و”لاليكتير” نتاع القراية و”ليكريتير”، يعني محسوب على كل حال لربما، كما نقولوا الثقافة نتاع الشعر هي الرواية نتاع الأدب نتاع التاريخ نتاع الثورة، والرواية نتاع القصة نتاع المسرح، نتاعنا، كان هذا الراجل يحصيلها، كان يطير! والجزائر يعني، ترحم على هذا الحية اللي راها ميتة! موتوا خير من حياتو..كان مريض مسكين وحنا عيينا فيه ندوك عند العشاب وما بغاش! داوه للراقي وما “قرتش” فيه قرايته. (الناس يضحكون في المقبرة!!) والبلدية نتاعنا تحتفل اليوم وتعلن الحداد في هذا الاحتفال البهيج، نتاع هذه “النجازة” نتاع هذا الشاعر العربي المبين، رحمة الله على هذا الكاتب الذي كان يكتب، والذي اسمه.. على مسمى…واسمه على لسان كل واحد فينا (إلا أنا!)..والذي يسمى..! واسمه على كل حال حاضر بينا…( نسيت اسمه، فرحت أتمتم وأهدر بحثا عن اسمه..ثم سألت “البومبادري” الذي كان إلى جواري: كي يسموه بعد هذا المصيبة؟ نسيته!)..

وأفيق وأنا أضحك وأبكي! 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!