الرأي

جيلنا لم يخن ولم ينهزم…

محمد سليم قلالة
  • 3248
  • 15

هناك بعض التطرف في الحديث عن سيطرة مستعمر الأمس على بلادنا، وهناك وقوع في مخطط الإعلام الآخر أن تضحيات الشهداء ذهبت هباء، وأن الفرنسيين مازالوا يحكمون الجزائر؛ وكأن الثورة لم تكن. وكأن الأجيال قد خانت.. هناك نوع من جلد الذات لا معنى له سوى القابلية للانهزام والانكسار والخضوع.

 آباؤنا لم يخضعوا يوما للاستعمار الذي تتباهى بعض الأنفس الضعيفة اليوم بالخضوع له، حتى وهم  في أحلك الظروف، حتى بعد أن احتلت مدنهم وقراهم، كانوا لا يبالون بهذه القوة المسيطرة، ويرفضون تقليدها في المأكل والملبس، ويفضلون الجوع والعطش والمرض والجهل على أن يكونوا منهم، إلى أن حان وقت الثورة، فثاروا واستشهدوا وانتصروا، لأن الاستعمار وإن سيطر على أرضهم لم يتمكن من السيطرة على إرادتهم ولم يحطم نفسيتهم ومعنوياتهم…

 

وجيل الاستقلال أيضا واصل التحدي بروح الدفاع عن رسالة الشهداء، تعلم وعمل، منطلقا من اللاشيء.. لم تكن لدينا مدارس ولا مواصلات ولا حتى أقلام  ومحافظ وكتب، ولم نكن نأكل جيدا أونلبس أو نسكن جيدا، إلا أننا حفظنا القرآن من خلال الألواح الخشبية،  وصل الكثير منا إلى أعلى مراتب العلم  والمعرفة من غير أية إمكانيات تذكر، والكل خدم بلده وقدم ولو النزر القليل، إن كان معلما أو فلاحا أو بناء أو طبيبا أو سياسيا أوإداريا أو عسكريا أو تاجرا أو عاملا حرا… ليس صحيحا أن الجميع استكان وخان وباع، ليس صحيحا أن جيل الاستقلال خان الأمانة أو امتنع عن مواصلة الركب، بل لعله أكثر من دفع الثمن غاليا، صبرا واجتهادا، لكي لا ينقلب على نفسه ويتنكر لرسالة الشهداء. هناك قلة ممن كان آباؤهم بالأمس عملاء وواصلوا أداء نفس المهمة بثوب جديد، هناك قلة ممن لم يعترفوا يوما بأن ذلك الفلاح البسيط سيقهر الجندي المستعمر، هناك قلة ممن لم يتوقفوا عن نشر خطاب الاستحقار لأبناء جلدتهم، هم الذين لم يتوقفوا يوما عن ترديد عبارة أن الاستعمار لم ينهزم، وأن فرنسا حكمت وتحكم ومازالت تحكم الجزائر. هذه القلة، صاحبة الخطاب الانهزامي الضعيف هي التي تريد أن تكرس في الجيل الصاعد اليوم، في أبنائنا وبناتنا، أن كل شيء منهار، وأن كل شيء خيانة، وأن لا بديل عن الفرار، وفي ذات الوقت لا تتوقف عن وصف هذا الجيل ذاته بأنه ضعيف، كسول، غير قادر على التحدي، لا يحلم إلا بالفرار، يكره تاريخه ويلعن آباءه وأجداده، ويتمنى لو عاد الاستعمار، مستغلة بذلك ضعف سياساتنا في مجال التنمية والتعليم والصحة… الخ، وعاملة على خلط الأوراق بين حاجتنا للتعامل مع فرنسا كشريك، وبين الخضوع الكلي لها، لكي تصل إلى غاية واحدة: أن الآباء استشهدوا هباء، وجيل الاستقلال ضيع الأمانة، وجيل اليوم والغد هو جيل الانهزام والنوم.. ويردد الكثير منا هذا كالأغبياء.. 

مقالات ذات صلة