الرأي

حتى لا تعود الباء المحذوفة إلى البرلمان

محمد سليم قلالة
  • 1010
  • 4
أرشيف

ليس من الحكمة اليوم، أن يتم اختيار رئيس للبرلمان من أحزاب الموالاة، مهما كانت الشخصية المختارة، باعتبار أن ذلك سيزيد هذه المؤسسة هشاشة على ما هي عليه. كما أنه سيُقلِّص من مساحة الأمل، التي هي ضيِّقة بالأساس لدى الناس، بأن سيبقى لهذه المؤسسة دورٌ تقوم به في هذه المرحلة الهشّة والحسّاسة من حياة البلاد، ذلك أن منطق التغيير يفترض حل هذه الهيئة التشريعية بغرفتيها، وإجراء انتخابات جديدة بشأنها مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية، إلا أن منطق المصلحة الوطنية قَضَى بأن تستمر إلى فترةٍ مُحدّدة، لكي لا تعرف الدولة فراغا يكون أسوأ مما عرفته سنة 1992، عندما تزامنت استقالة رئيس الجمهورية مع غياب البرلمان (بغرفة واحدة آنذاك)، وأدى ذلك إلى تلك المرحلة الانتقالية التي كانت شؤما على البلاد والعباد، بما أدخلتنا فيه من عشرية سوداء…

نحن اليوم في وضع شبيه، غير أن الحل الدستوري مَكَّن من أن يبقى للدولة رئيسٌ وبرلمان بغرفتيه يحفظ الطابع الدستوري للدولة إلى حين إجراء انتخاباتٍ رئاسية حرَّة ونزيهة يتم التجديد والإصلاح بعدها. وكان يُفتَرَض ألا تزيد مدة الانتقال إلى هذه المرحلة عن ثلاثة أشهر.. إلا أن ذلك لم يحدث بسبب ضغط الشارع وبخاصة تلك القوى السياسية وبعض النافذين الذين كانوا يراهنون على إدخال البلاد في مرحلة انتقالية ثانية، كما حدث في التسعينيات من القرن الماضي، يتمكنون خلالها من إعادة النظر في أسس الدولة الوطنية والمبادئ النوفمبرية التي تقوم عليها تحت عنوان “التأسيس لجمهوريةٍ ثانية” على الطريقة الفرنسية. أي ألا تكون ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية، إنما ديمقراطية لائيكية على الطريقة الغربية بكل ما يحمل ذلك من تغييرات على طبيعة الدولة وموقع الدين الإسلامي منها مع كل ما ارتبط بذلك من قوانين وأحكام مختلفة.

ومادامت هذه المناورة قد فشلت اليوم، ولم تعد تتفاعل معها إلا فئة قليلة من المجتمع، فإنه من غير المقبول تماما أن نقبل ببروز إشارات جديدة غير مُطمئنة للرأي العام تُعيدنا مرة أخرى إلى حالة الشك في أن شيئا لم يتغير، كأن يترأس البرلمانَ اليوم ممثلٌ عن أحزاب الموالاة تأتي به لعبة مفضوحة لديمقراطية صورية أصبح الجميع يعرف أنها كذلك.

لذا، فإنه من باب الحفاظ على النزر القليل مما تبقى من مبرر لوجود مثل هذه الهيئة التشريعية، إما أن يعيّن على رأسها أحد النواب من الأحرار أو من المعارضة، ممن فازوا حقيقة بمقعدهم دون تزوير، وهناك البعض منهم، أو الإبقاء على الرئاسة الدورية بالنيابة يتداولها أكثر من نائب إلى غاية حل البرلمان وتجديده بعد الرئاسيات المقبلة.

دون هذا، يكون تعيين رئيس جديد للبرلمان من الموالاة، بمثابة إعادة استبدال الباء المحذوفة بحرف آخر، يكون هذه المرة أكثر إثارة لتشنج وسخط ورفض الناس، بل وعملية قاتلة لكل أمل في العودة إلى الطريق الصحيح.

مقالات ذات صلة