-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حذاء‮ “الزيدي‮”… ‬ومفاجآت‮ ‬المسلمين‮ ‬للغزاة‮!‬

حذاء‮ “الزيدي‮”… ‬ومفاجآت‮ ‬المسلمين‮ ‬للغزاة‮!‬

ما أقدم عليه الصحافي العراقي “منتظر الزيدي” أدخل على كثير من أبناء الأمة السرور في زمن فُقِد فيه الفرح وزاد التّرح، وذرفت الدموع حتى غدت نسكا يوميا أفقد الناس حبّ الدنيا وما فيها، فزاد شعورهم باليأس وغاب الرّجاء، وترك التفاؤل مكانه للتشاؤم لعلّه يكون البديل، لكن لا مفر من عيش الحياة حتى لو ضاقت على أهلها بما رحبت.

  •   لقد أظهر نعل “الزيدي” الحقد الدفين تجاه الرئيس الأمريكي “جورج بوش”، والذي كان ينتظر الفرصة المواتية للظهور، فمثلما أنه لا يرقبون فينا إلاًّ ولا ذمّة فإننا نبادلهم الشعور ذاته، وبغض النظر إن كان فعله عملا جهاديا كما يرى غالبية أبناء أمتنا، أو هو لحظة طيش وجنون كما يرى حكاّم بغداد اليوم، فإنّه يعيد لنا لحظة دخول الغزاة إلى بغداد وإسقاط  تمثال صدام… أنذاك ضرب التمثال بالأحذية، لكن هل هناك من تجرأ ورمى الرئيس الشهيد صدام حسين ولو بعود ثقاب، حتى يحين حين يُحضر إلى المحكمة مقيّدا؟، ليس هذا فقط بل خوف القيادة الحالية وخصوصا مستشار الأمن القومي موفق الربيعي ظل إلى آخر لحظة… لقد كان يرتعد خوفا حين مرّ الرئيس صدّام أمامه، وهو في طريقه إلى حبل المشنقة، حتى أن هذا الأخير قال له: “لا تخف، ألست غربيا… ألست عراقيا“.
  •  لا أدري إن كان يحقّ لنا القول: إن قذف بوش بالحذاء يعد بمثابة لعنة صدام على الولايات المتّحدة الأمريكية؟ غير أن الواضح هو ذلك التّفاعل التلقائي مع الفعل، الذي لم يتمكّن الموالون لأمريكا من التّغطية عليه.
  •   لنعيد النظر في نهاية الرجلين (صداّم وبوش)… أيعقل أنّ من كانت نهايته إلى حبل المشنقة أهم من الذي انتهت فترته الرائاسية، بأزمة اقتصادية وعسكرية لبلاده وهو في الخصام غير مبين، مع اعتقاده أنه حرّر بلدا من حكم ديكتاتوري؟
  •   الإجابة كانت واضحة في مختلف وسائل الإعلام العالميّة، خاصة الأمريكية، فقد مرّغت الدولة الأمريكية في الوحل، على اعتبار أن الرئيس بوش يمثّل قمّة السّلطة فيها، مع الاعتقاد أن الصحافي العراقي سيواجه الأمرّين إن لم ينته إلى القتل أو الإعدام، بالرّغم من تطوّع عشرات المحامين للدفاع عنه، في تجاوب كشف عن التوجّه العام للعراقيين.
  •   الفعل السّابق مميّز ليس فقط من حيث التأثير الإعلامي، ولا تجاهل الخوف من طرف الصحافي، ولا النزعة الملحّة في الدفاع عن العراق بطريقة حضارية، لجهة أن ضرب بوش بالحذاء أكثر أهمية من ضربه بالرصاص، لأن هذا العار يظل يلاحقه مدى الحياة، إنما هو مميّز لكونه مشروعا خاصا قائما في ذهن صاحبه فقط، وهنا تكمن المفاجأة، الأمر الذي لا يشعر بأهميته معظم قادتنا، ويهزّ وجدان العامة، ويوظّف المثقفين في كتابة المقالات.
  •   بمثل لهذا الفعل العلني تظهر عبقرية الأمة في إنتاج مشاريعها الخاصة، التي لا يمكن أن تصل إليها أجهزة المخابرات العالمية، وليس صحيحا قول بوش في المؤتمر الصحفي: إن الصحافي العراقي يريد الظهور، فما من شخص يتجه نحو المخاطر ليصبح مشهورا؟، ولكنه ألم العراق وعزته، التي لا تغيب بذهاب رجال قادة أو خيانة آخرين أو تخلي الأمة عنه يوم الزّحف، ثم أن منتظر الزيدي عمل من أجل تنقيتنا ـ نحن الصحافيين على الأقل ـ من عار الهزيمة، حيث التنظير المتواصل على حساب الفعل، وقد ملّت شعوبنا الإسلامية القول بعيدا عن الفعل.
  •    تاريخنا العربي بدءا من الجزائر يفيد أننا نستعمر سواء كنا نحن البادئين بالضرب أو المنتهين إليه، لهذا كان داي الجزائر محقا حين ضرب ممثل فرنسا بمروحته، ودفعنا ثمنها 132 سنة استعمار وتشويه ثقافي وبؤر توتر لاتزال قائمة إلى الآن، ولو لم يفعل ذلك لكان استعمار فرنسا لنا بدون ثمن، وهاهو الصحافي منتظر الزيدي ينهي استعمار أمريكا للعراق بضرب بوش بحذائه، وستنتهي ذكريات العراق الأليمة في زمن يطول أو يقصر، غير أنّه لن تكون لبوش ولا لأمريكا أهمية تذكر في التاريخ القادم ، لذلك سيظل حذاء منتظر الزيدي  فعلا حضاريا راقيا يكشف عن فشل الطغاة في دخول التاريخ.
  •    ليس فعل الزيدي بمعزل عن أشكال القاومة المختلفة في العراق، ولن تكون نهايتها، لهذا هي مزعجة لأعدائنا، لأنها تأتيهم بغتة ومن حيث لا يشعرون، وهذا أمر طبيعي نتيجة اتساع مساحة العداء بيننا وبين الغرب، الذي جعلنا بسبب الإيمان العدو الذي عليه مجابهته، ناهيك على أن الحاجة إلى أبطال يتولّون الدّفاع عن أمتنا حالة نادرة هذه الأيام، إذ بمجرّد أن يظهر الفعل الفردي يسيطر على الوجدان الشعبي العام، وتحتل المساءلة للحكّام الصدارة، لجهة المقارنة بينها وبين أفعال المحكومين.
  •  المشهد العراقي يعيد تشكيل المنطقة، ويعيد لها منطق الرفض، حتى لو جاء ذلك عبر مفردات الفعل البسيط، لكن الأفعال البسيطة عندما تتجمّع تصنع الحدث، ويبدو أن العراق اليوم يفرض على الأمة جميعها مفردات خطابه الجهادي، وإن اختلف العراقيون حوله.
  •  لقد غرق الغزاة في وحل العراق في كلّ مراحل التاريخ وهاهم يغرقون اليوم أيضا، فغدا نراه أخضر، بالرغم من الدماء التي تسقي أرضه، وهي لم تتوقف منذ الاحتلال إلى الآن، ومن يصنع الحدث اليوم غيره في عالمنا الإسلامي؟، وليس السلم دائما طريق الأمان، فقد تكون الحرب هي الأمان الأكبر، ومن أدرانا فقد يكون حذاء الصحافي العراقي أهم من ترسانات الأسلحة في كل دولنا العربية، مهما حاول قادتنا إقناعنا بغير ذلك.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!