-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حك المرآة!

حك المرآة!

وجدت نفسي أتحاور مع “صديقي الملحد” على ضوء الضجة لإعلامية التي فجرتها قناة الشروق مع الروائي رشيد بوجدرة! صديقي هذا، كان مثلي وكنت أنا مثله أيام الزهو بالنفس وعنترية الفتوة! كنا من النوع الذي فتح عينه لأول مرة على فأر، فرأى الفأر، ثم عميت أعينه، فلم يعد يرى لا فأرة ولا بقرة! مع ذلك صار يقيس الأشياء كلها بمقياس الفأرة: البابور قد الفأرة وإلا كبير عليها؟ الطيارة صغيرة على الفار؟..

 هكذا، كنا وهكذا لايزال صديقي الملحد، لا يؤمن بأن للكون خالقا، ولا بأنه مخلوق من عند الله! دون أن يتمكن من الإجابة عن السؤال من خلقك؟ فيقول: خلقتني الطبيعة؟ فأقول: ومن وخلق الطبيعة؟ فيقول: خلقت من تلقاء نفسها بنفسها!

سألته مرة في مناظرة طويلة وكان، الحق يقال، يسمع لكلامي وغير متشدد ولا منزعج مما أقوله له: عكس الكثير من الملحدين الذين لا يقبلون الشطط، مثلهم مثل بعض المتدينين أيضا الذين يرفضون النقاش والمناظرة والحواروالرأي والرأي المخالف: هل تعتقد أن الطبيعة والكون بتفاصيله ودقته وبهذه الدقة المتعالية في الدقائق، تسير بمفردها ومن تلقاء نفسها؟ قال لي: نعم أعتقد ذلك! قلت له: أنت لو رميت مجموعة من القطع النقدية فوق هذه التربة، لرأيت هذه القطع تتبعثر بشكل تلقائي، دون أن تكون أنت تعلم بهذا التبعثر وطريقته وأيضا لا تتحكم فيها! قطع تتضارب مع بعضها وقطع تتنافر وأخرى تجاذب، بطريقة فوضوية! فهل هي فوضى أم ماذا؟ قال لي: نعم هي فوضى! قلت له: الكون أيضا فوضى، لكن فوضى منظمة! هل تعلم أن هناك ملايير ليس فقط من الشموس والكواكب، بل من المجرات؟ التي هي الأخرى تتكون من ملايير الكواكب! مع ذلك، هناك ترابط وتماسك وتجاذب! يحدث هناك اصطدام، لكنه اصطدام مدروس من أجل توليد أجسام وكواكب ومجرات أخرى، فالكون يتطور ويتسع بنمو وتطور وانقسام وانفجار المجرات والكواكب! لهذا يقال عن الكون في اللغة الإغريقية “كوسموس” أي “ذلك الكل المنظم”! قال لي: لست أدري مدى تنظيم هذا الكون، ولكن لماذا هذا اللاتوازن بين الناس؟ وهذا الاقتتال والحروب. لو أراد خالق هذا الكون كما تقولون أن يحل المشاكل لحلها فلماذا نحلها نحن بأسناننا بدل أن يحلها هو بكلمة “كن”.. فيكون!؟ هذا يدل على أن الطبيعة حرة في تصرفاتها والكل يعود إلى الحظ والصدفة! قلت له: ليست هناك صدف! الصدف لا توجد مع الله! نحن من يسمي الأحداث التي لا نجد لها تفسيرا منطقيا وعقلانيا ورياضيا، بالصدفة! الصدف تتحكم فيها قوانين، هذه القوانين تخرج عن دائرة إدراكنا وحسنا وعقلنا! فها أنت تكون تسير في طريق، ثم فجأة تغير رأيك واتجاهك وتذهب باتجاه آخر، وإذا بك تلتقي بشخص عزيز كنت تبحث عنه منذ سنوات! أو تلتقي في طريقك الجديد بشخص يساعدك على حل مشكلة عويصة تعاني معها منذ أشهر أو سنين! فهل هي مجرد صدفة؟ أم أن هناك قوانين تسيرنا، فأوحت لنا بأن نغير من طريقنا لكي نجد مبتغانا على الطريق الثاني، فيما كنا قد لا نجد هذا المبتغى على الطريق الأول، أو قد كنا نتعرض لخطر ما في هذا الطريق! هذا مجرد مثال! ويصادف كثيرا من الناس! ترى كيف أني استعلمت كلمة يصادف للدلالة على أن الصدفة هي فعل مقنن بقانون خفي يسمى “الناموس الكوني”، أي القانون الذي يسيرنا جميعا والتي تسمى “المشيئة” الإلهية! قال لي “حدثت أنا أيضا هذه المسائل كثيرا من المرات، لكن أعتبرها دوما صدفا جميلة نسميها محاسن الصدف أو مساوئ الصدف! قلت له: دعنا من هذا. أنت قلت لي لا تؤمن بالحياة بعد الموت! لكن أين نذهب بعد الموت؟ قال لي: إلى زوال.. إلى تراب؟ قلت له: الدهريون كانوا يقولون هذا أيضا: “وما يهلكنا إلا الدهر”، لكن ما تفسيرك الآن لبعض التفاسير العلمية للروح التي تخرج من الجسد، ويمكن أن نراها أحيانا بالأشعة ما فوق البنفسجية في شكل دخان فضي يخرج من تجاويف الرأس! هذا علم، ولا يمكن نكرانه، لأنه يبرهن بالأدلة المادية عن وجود جسم غير جسدي وغير مادي يسمى “الأثير”، ويسميه العلماء الماديون بالجسم الأثيري! قال لي: لم أطلع على هذا الأمر؟ قلت له: وعذاب القبر والحساب والعقاب؟ قال لي: لا أؤمن، قلت له: تابع في الإنترنت يا سيدي ما يقال وما يصور بهذا الشأن، إن كنت لا ترغب في قراءة الكتب الدينية التي لا تؤمن بها، فاقرأ ما ينشر من بحوث وتصوير لحقائق للموت ولتجارب الاقتراب من الموت ولأخبار وشهادات كثير ممن أشرفوا على الموت وعادوا إلى الحياة.. أقرأ وشاهد كثيرا من شهاداتهم.. منهم ملحدون مثلك، متشككون ومنكرون ومنهم غير مؤمنين إيمانا عميقا بهذه المسائل، حدثت معهم هذه الوقائع فتغيرت نظرتهم للدين وللمادة وللموت وللحياة تغيرا جذريا، تابع وافتح قلبك وبصرك وبصيرتك لتعرف الحقيقة. أنت عندك الآن غشاوة بصرية على القلب! حدث معك هذا الأمر من سن 17 كما تقول، وبقيت مغلفا بغلاف مادي عازل، لا يرى عبره إلا ما ترغب أن تراه ولا تفسر الأشياء الأخرى الغيبية إلا بمنظار ما تراه! أنت تعيش في نفق بلا نجوم وتعتقد أنك تعيش في فندق خمسة نجوم! أنت مثل صاحب كهف أفلاطون، لا ترى إلا الخيال وتعتقد أنه الحقيقة، في حين أن الحقيقة هي التي لا ترها وهي في مكان آخر من عقلك المظلم! أنرعقلك وافتح مخك وبصرك ببصيرتك وسوف ترى الحقيقة. وكما يقول المتصوفة: حك المرآة لترى الحقيقة! فأنت لا ترى إلا انعكاس صورتك وصورة العالم المادي من حولك، لا ترى في المرآة إلا انعكاس الأشياء وليس حقيقتها الجوهرية. حك المرآة من الخلف، لتصبح المرآة زجاجة شفافة تتمكن من رؤية الحقيقة التي تختفي وراء مسحة السواء الذي كان يغلف وجهها الخلفي الخفي!

لم يعلق كثيرا صديقي الملحد على هذا الكلام.. توقف عن الرد.. وراح يمسح مرآة من الخلف كانت بجوار سريره، كان يحك بأظافره، ثم بمقص أظافره، حتى فتح كوة وسط المرآة.. فيما كنت أنا أستمر في الشرح والتعليل، ليوقفني في آخر الكلام: هذه هي المرآة.. إنها الآن زجاجة شفافة في الوسط ومرآة من الجوانب الأربعة! قلت له: تصبح على خير، نحن كلنا مرايا.. لا يجرؤ أحدنا على فتح الكوة فيها ليرى الحقيقة كاملة.. إننا جميعا نرى الحقيقة ناقصة، ولكنك أنت مع الأسف لا ترى المرآة أصلا! الآن يمكنك أن تفكر في الأمر جيدا.. وغدا نلتقي لتروي لي ما رأيت!


في الغد، وقبل أن أسـأل عنه، بادر هو بالسؤال عني: لقد جاءني ليخبرني بحلم لم ير مثله أبدا: لقد رأى نفسه يخرج من جسده ويرى جسده نائما ويسافر عبر الفضاء إلى أبعاد غير معروفة.. أبعاد من نور غير معروف ولا مفهوم.. سمع أصواتا ورأى أشخاصا يعرفهم وتكلم معهم وهم موتى وأخبروه بأنهم ما ماتوا ولكنهم أحياء عند ربهم يرزقون بما فعلوا من خير وصلاح في الدنيا وبما صلوا صاموا وأحسنوا!.. كان يرتجف من الخوف والقلق ويرجو مقابلتي في أسرع وقت لكي يروي علي تفاصيل أخرى..

عندما أفقت، قلت: لعله بوجدرة أو غيره، قد “حكوا” أخيرا المرآة!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!