الرأي

حلقات‮.. ‬لم‮ ‬تسجل‮!‬

محمد يعقوبي
  • 3868
  • 9

كان العزم قويا على تسجيل حلقات تاريخية مع المجاهد علي كافي، أسابيع قليلة قبل وفاته- رحمه الله-، إذ كنت محظوظا بالجلوس إلى الراحل لساعات طويلة بعد أن اصطحبني إليه الأستاذان أحمد عظيمي وعبد العالي رزاقي اللذين تربطهما علاقة قوية بالراحل.

كان أول لقاء قبل حوالي 4 أشهر، طرحنا على الرئيس أن يخرج عن صمته ويتحدث عن الوضع العام للبلاد وعن نظرته لما يسمى بالربيع العربي وعن كنوز تاريخية لا يزال يحتفظ بها ولم يفرج عنها في الجزء الأول من مذكراته. وبطريقة دبلوماسية، أقنعه- رحمه الله- الدكتوران عظيمي ورزاقي‮ ‬أن‮ ‬يخرج‮ ‬عن‮ ‬صمته‮ ‬لنسجل‮ ‬معه‮ ‬حلقات‮ ‬لقناة‮ “‬الشروق‮” ‬يكشف‮ ‬فيها‮ ‬ما‮ ‬خفي‮ ‬عنا‮ ‬جميعا،‮ ‬سواء‮ ‬من‮ ‬تاريخ‮ ‬الثورة‮ ‬أم‮ ‬مراحل‮ ‬ما‮ ‬بعد‮ ‬الاستقلال‮.‬

 

وبينما كان الأستاذان يجتهدان في إقناعه، كنت طيلة لقاءين اثنين لأكثر من 5 ساعات مكتفيا بالاستماع والاكتشاف كتلميذ صغير يريد أن يستغل جلسته مع كبير من كبار الثورة ليفهم بعض ملامح العظمة والعبقرية التي أفضت إلى الاستقلال.

استطعنا أن نحصر مع الراحل كافي مراحل عديدة نتناولها في الحلقات التي سنسجلها معه وطلب منا أرضية مكتوبة نستند عليها في الحوار. فاجتهد الدكتور رزاقي في إعداد هذه الأرضية بحكم قربه من الراحل ولأنه واحد ممن كتبوا الجزء الأول من مذكراته.

وفي الجلسة الثانية التي كانت قبل أشهر قليلة كان الاتفاق مكتملا على شكل وهيكل وهدف الحلقات، ولذلك استغرقنا في الاستماع لبعض شهاداته التاريخية التي منها ما سيذكر لأول مرة، سواء بخصوص مؤتمر الصومام أم مؤتمر طرابلس الذي كان المرحوم رئيسا له، أم عن مراحل ما بعد الاستقلال. واستمعت باهتمام إلى سرد المرحوم لمسيرته بعد العام 62 أين كان سفيرا في القاهرة ولعب أدوارا أساسية في الدعم المصري للجزائر المسقبلة، كما حدثنا عن الفترة التي كان فيها سفيرا في ليبيا في عز قوة العقيد القذافي وخلافاته مع الراحل بومدين. ومما علق في ذهني أن علي كافي هو السفير الوحيد الذي كان يتحدى العقيد في بلده وعلى غير عادة السفراء استقدم كافي حرسه الخاص من الجزائر لأنه لم يكن يثق في النظام الليبي. وذكر لنا من المواقف التي حضرها مع الراحلين بومدين والقذافي، أن هذا الأخير طلب من بومدين أن يزحف بجيشه لغزو المغرب بينما يتكفل العقيد بغزو تونس ليشكلا في النهاية وحدة مزعومة بين الجزائر وليبيا. وروى لنا كافي كيف كان رد الرئيس بومدين الذي قال للقذافي، إذا فكرت مجرد التفكير في غزو تونس لن تجد بورقيبة في مواجهتك بل ستجدني أنا.

واستعرض الراحل كافي الكثير من ملاحظاته عن الوضع الراهن تلك الشهادات التي كنا نتمنى أن يسعفنا الوقت لتسجيلها لكن قضاء الله وقدره أراد أن يرحل كافي وفي صدره الكثير من الكنوز التاريخية التي عاشها قبل وبعد الثورة.

رحل كافي “وطارت” الحلقات دون أن يخبرنا الراحل عما خفي عنا، خاصة سنوات العشرية الحمراء التي شاء القدر أن يتبوأ فيها صدارة الأحداث ويأخذ معه أسرار تلك الحقبة من تاريخ الجزائر وهو الرئيس الذي قتلته هموم الجزائر مثلما يقول عبد العالي رزاقي.

مقالات ذات صلة