الرأي

حول الزبالة.. وشعار “إلى المزبلة”

حسان زهار
  • 1199
  • 10
ح.م

حتى تكون نظيفا وأنيقا ووطنيا.. لا غبار عليك.. يكفي أن تخرج للشارع وترفع شعارات ترمي بمن تكره إلى “المزبلة”.

ما يفعله بعض الناشطين في الحراك، عبر إحالة كل شخصية لا تروق جهات معينة “إلى المزبلة” (فلان ألا بوبال)، يجعلنا نتساءل عن هذه الرمزية في تحويل المخالفين أو رموز السلطة إلى مكب للنفايات، بعد أن تمت المطالبة من قبل بتحويل البعض إلى الحراش، أو إلى المتحف، أو غيرها من مواطن العقوبة .

بالنسبة للمتابع المحايد للأحداث وتطورات الحراك  الشعبي، فإن الحديث عن الزبالة والمزبلة، ليس ترفا في القول، ولا هو كلام سوقة، بقدر ما هو باروماتر حقيقي، عن نجاح مشروع الانتفاضة الشعبية في التغيير من عدمه، وهي الزبالة نفسها ما ستحدد مستقبل البلاد السياسي !

فهل هذا معقول؟ وكيف يمكن ربط مصير الحراك بالمزبلة الوطنية في عموم الشوارع الوطنية؟

الاجابة ظهرت لي فجأة وأنا أشاهد منذ عدة أسابيع أكوام الزبالة المتراكمة، في عدد من شوارع العاصمة، وقد ازداد حجمها، وارتفع سمكها، ومعها ازدادت الروائح النتنة، تزكم الأنوف في عز هذا الصيف، تحولت معها تلك الشوارع إلى مفارخ طبيعية لتنمية وتربية الناموس والذباب (غير الالكتروني طبعا) من دون رادع من ضمير ولا أخلاق.

وهنا توجب السؤال الجوهري الخطير.. والذي لا يريد الكثيرون طرحه أو سماعه، علاوة على الإجابة عليه.. كيف يطمح شعب لإحداث التغيير السياسي الجذري في هرم السلطة، وتغيير طبيعة الدولة، بينما يعجز المواطن (الحراكي) على رمي الزبالة في مكانها المخصص، ويعمد إلى رميها من نافذة بيته؟ أو يعمد إلى رميها قبالة باب جاره؟

كيف يمكن للمواطن الذي يعجز أو يرفض أن ينظف محيط بيته، أو أن يتشارك مع الجيران في تنظيف الحي الذي يقطن فيه، أن يطمع في تنظيف البلاد من الفاسدين والمفسدين، وتحرير البلاد من العصابة والمرتشين؟

تصوروا.. كيف تظل جلود الأضاحي إلى يومنا هذا مرمية في بعض الأحياء، دون أن تتحرك “ثورية” الداعين للتغيير.. وهم يشاهدون كل صباح من شرفات منازلهم دلائل انتهاك مقاصد الأضحية ومقاصد الدين.. وأبسط أبجديات النظافة والإيمان (وأقلها إماطة الأذى عن الطريق)؟

نعم، “يجب أن تكون نظيفا لكي تحارب الفساد”؟.. وجميلا لكي تتصدى للبشاعة، وصاحب أخلاق عالية لكي تحاضر أو تخطب على جموع المنحرفين.

ما نراه، أن الحراك الذي كان في بدايته نظيفا جدا، أنيقا إلى الحد الذي نافست فيه ساحات الحراك، أرقى ساحات العواصم العالمية الكبرى، تحول فجأة إلى النقيض، لتعود الأوساخ مرة أخرى تغزو الشوارع كما كانت قبل الحراك، ومعها وهنا الغرابة، عادت شعارات “التخوين” و”التوسيخ” والضرب بالبالة والرمي في الزبالة.

ويا ليت القوم يعلمون، أن الرقي في الشعارات، هو من الرقي في المطالب، وهي ذاتها من رقي الشارع والذين يسيرون فيه.

ويا ليت كل حراكي استهوته فكرة رمي بعض الوجوه التي يكرهها، أو التي لا يتفق معها في المزبلة، عندما يعود إلى حيه، أن يقوم بإعطاء “المزبلة” حقها، بأن يتم تنظيف محيط السكن الذي يسكن فيه، وأن يدفع جيرانه إلى اتباع نفس ذاك السلوك الحضاري.

وقتها فقط، سينتصر الحراك، ويتحقق التغيير الجذري بسلاسة.. من دون حتى مسيرات.. أو صراخ كبير.

مقالات ذات صلة