الرأي

حول سقف توقعات الرئيس القادم للجزائر

حسان زهار
  • 1712
  • 7
ح.م

لحد الآن، وبغض النظر عن اسمين او ثلاثة، لم تتدعم قائمة الأسماء التي سحبت ملفات ترشحها للرئاسيات المقبلة، وقد تجاوزت لحد الساعة 30 مترشحا، بأسماء من النوع الثقيل، ولا بنوعيات أكاديمية أو علمية مستقلة متميزة.. لكن هل سينتهي الأمر هنا؟

باعتقادنا، أن الأمور قد تتطور إيجايبا من هنا إلى غاية غلق أبواب الترشح، وسنكون أمام مفاجآت مهمة حول نوعية الأسماء، وهي النوعية التي ربما ستقلب معادلة الإقبال على المشاركة الشعبية في هذا الموعد الهام من عدمه، وهي التي ستحدد بشكل كبير ما إذا كان الموعد الانتخابي القادم، حلا للأزمة أم تعقيدا لها.

في انتظار ذلك، من المهم التنبيه إلى حقائق مهمة، لم تكن واضحة لدينا من قبل، عملت الشهور السبعة من عمر الحراك على كشفها، بكل وضوح:

منها أن المشكلة الأساسية ليست شفافية العملية الانتخابية في حد ذاتها فقط، وإنما المشكلة أيضا هي في غياب البرامج، وضعف البدائل المطروحة، وهي قضية لا تتعلق بجو الحريات من عدمه الذي يتحجج به البعض، بقدر ما تتعلق بضعف النخب المثقفة، وجبنها أحيانا، في تقديم البدائل والحلول والمخرجات، التي يحتضنها الشعب وهو مطمئن على مستقبله.

لحد الساعة، لم نقرأ ولم نطالع برامج سياسية أو تصورات علمية، تقدمها نخبة النخبة، ولم تفاجئنا أي جهة سياسية معارضة أو مؤيدة، بطرح مخارج تقنية للأزمات المتعددة التي نعيشها، من الاقتصاد إلى التشريعات القانونية، وهو ما يعني اننا ما زلنا لم نبرح دائرة الكلام الفارغ، والحديث في العمومايت، والمزايدات على بعضنا البعض في الوطنية وقضايا التاريخ والهوية لا أكثر ولا أقل.

في زمن الغلق في العقود الماضية، غابت مثل هذه المشاريع تماما أيضا، وكان المبرر هو الديكتاتورية وتكميم الأفواه، ومنع المبادرات الخلاقة وما إلى ذلك من المبررات الواهية، واتضح اليوم، ونحن في هذه الأجواء من الحريات التي تتيح للبعض شتم القيادات الحالية للبلد بأقذع الكلمات، دون أدنى حرج ولا حياء، أن المشكلة هي مشكلة عقول قبل أن تكون مشكلة حريات، وأن انتظار أن تمطر السماء ذهبا أو فضة، هي حالة جماعية للأسف يمارسها الجميع عن وعي او عن غير وعي.

ومنها أيضا، ليست شفافية الانتخابات وحدها هي المشكلة، بل غياب الرؤية المشتركة في كيفية انقاذ الوطن، وإلا ما الذي يمنع الشعب الذي خرج ويخرج في الحراك، أن يجتمع على اسم نظيف، وبرنامج واضح، ثم يقوم بفرضه فرضا في اي انتخابات مهما كانت درجة التشكيك في شفافيتهأ، ولن يكون بمقدور أي جهة كانت أن تقف في وجه إرادته تلك؟

بدل التشكيك والسخرية من الأسماء التي تقدمت، ووصمها بالقديمة وأنها خشب بال لنظام قديم،  وبدل نقل تسريبات من هنا وهناك، عن أسماء بعينها، تكون مرشحة جهات داخلية أو خارجية لتولي منصب الرئيس المقبل، كان من المفروض أن تكون فكرة “مرشح الشعب” وحدها، قادرة على دحض كل هذه المخاوف، وإجهاض كل خطط تجاوز الإرادة الوطنية في التمكين للديمقراطية في بلادنا.

لكن، وطالما ان هذا هو الوضع، غياب للرؤية المشتركة، وفقر في البرامج والمشاريع، وحرب بين الأيديولوجيات، فلا أعتقد أنه من الحكمة أن نرفع سقف التوقعات كثيرا، أو أن ننتظر صراعا حقيقيا في الأفكار والبرامج، إنما الصراع سيكون للأسف كما جرت العادة دائما إلى غاية الآن، حول الأشخاص والوجوه.

من يبتسم أكثر، من وجهه أكثر صرامة، من يظهر أنه أكثر طيبة، من هو وليد الفاميلا وما إلى ذلك.. ومن يكره الآخر أكثر..؟

هكذا سيتم الفرز للأسف، تماما كما تحدث عن الحالة مالك بن نبي: “عندما يتعلق الناس بالأشخاص أكثر من تعلقهم بالمبدأ أو الفكرة فإنهم يرون أن إنقاذهم من الحالة التي هم عليها بـ(البطل القادم) الذي ينتظرونه دون أن يقوموا بجهد يذكر. فالخلاص لا يتم بتجمع أناس على مبدأ يدافعون عنه، ويتفانون فيه، ويتقنون فن التعاون؛ بل بالرجل الذي يجمعهم ويوحدهم، وقد يطول انتظارهم وهم يمنون أنفسهم بالأماني، وهكذا نسمع الخطباء لا يفتأون يذكرون (أين صلاح الدين) أو (قم يا صلاح الدين)، فهم يريدون (صلاحًا) آخر ينقذهم”.

بينما الحقيقة، صلاح الدين لن يقوم أبدا من قبره، وعلى الشعب اذا أراد أن يحيا فعلا حياة حرة كريمة، أن يصنع بنفسه صلاحه الجديد، الذي يمكنه أن يحرر الجزائر أولا قبل أن يحرر القدس وما حولها.

مقالات ذات صلة