الرأي

خذلناك.. يا رسول اللّه

محمد يعقوبي
  • 6524
  • 43

مابال الجزائريين يخرجون للشارع من أجل السكر والزيت والبطاطا وطاولات الأرصفة، ولا يخرجون لنصرة المصطفى صلى الله عليه وسلم؟.. ما بالهم أو لنقل ما بالنا جميعا أصبحت لا تحركنا أوجاع الأمة وتحركنا أوجاع البطون؟.. لماذا لم نعد نكترث للحصار في غزّة وللمجازر في سوريا ولحرق المسلمين في بورما.. وتسقط بيننا الأرواح احتجاجا على مادون ذلك بكثير؟

أما عندما يتعلق الأمر بالإساءة إلى حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن كل قضايا الأمة تهون وتهون معها جراح غزة وسوريا وبورما، لأن الوجع حينها يصيب علة وجودنا ورمز عزتنا وكرامتنا وهادي قلوبنا وأفئدتنا وشفيعنا من نار جهنم.. صلى الله عليه وسلم.

لقد هزني خروج المصريين وغضْبتهم لرسول الله وهزني خروج الليبيين عن شعورهم وساءني قتلهم السفير الأمريكي.. وتجاوز غضب التونسيين والمغاربة كل الحدود، لأن الأمر لم يتعلق بثورة على الظلم والاستبداد، بل بثورة ضد الإساءة لرسول؛ غيّر مجرى التاريخ ونجّى البشرية من عبادة الحجر والشجر إلى عبادة رب العالمين، وغضبة جرّت بعض الليبيين إلى قتل السفير الأمريكي، قادرة على حرق الأخضر واليابس تحت أقدام الذين سمحوا ببث الفيلم المسيء للرسوم الكريم..

هؤلاء السفلة الذين يعتقدون أن محمدا صلى الله عليه وسلم واحد من البشر العاديين يجوز في حقه ما يجوز في حقنا جميعا، لم يدركوا بعد حقيقة الإسلام، بل يظنون أن الإسلام يمثله أولئك الضالون في القاعدة والجماعات الإرهابية التي تضرب المدنيين في الدولة الأوروبية، بدليل أن الفيلم يتزامن بثه مع ذكرى11سبتمبر التي قلبت نظرة الغرب للإسلام والمسلمين.

لعل الغرب لم يرعوِ من حادثة الرسوم المسيئة في الدانمرك وكيف عمقت تلك الحادثة الشرخ بين المسلمين والغرب، حتى أصبحت مطارات العالم تعامل المسلمين بتوجس وخيفة واحتقار، وظل الغرب يوغر الخنجر في مشاعر المسلمين حتى وصل الغضب إلى حد قتل السفير الأمريكي على الطريقة نفسها التي قتل بها القذافي.

أعتذر سلفا أنني رأيت بعض لقطات الفيلم المسيء على اليوتيوب، ومثل كافة المسلمين خلفت تلك المشاهد اللعينة حريقا مهولا في صدري لم تطفئه إلا هذه الأسطر، وإنه لأشد ما آلمني أن منتج الفيلم جمع أمواله من 100رجل أعمال صهيوني في أمريكا تداعوا جميعا لتسفيهنا والحط من قيمتنا كمسلمين، ولم يترددوا حتى في الإساءة لأقدس مقدساتنا.. بينما رجال أعمال المسلمين يطلقون مئات الفضائيات المختصة في الخلاعة والدجل والفتنة، بل رجال أعمالنا الذين تصنفهم مجلة “فوربس” كل سنة منشغلون بالأبراج والعقارات والطائرات الخاصة، حتى أن أحدهم ممن يملك عشرات الفضائيات يخصص طائرة خاصة لكلبه، بينما كلاب الغرب تنهش في عرض نبينا صلى الله عليه وسلم..

لم نر من رجال الأعمال المسلمين من يتصدى وينتصر لنبي الله عبر أفلام وأشرطة وحمَلات وفضائيات تدافع عن الرسول وتنشر هديه المستنير بين الأمم.

لقد بكى الرسول صلى الله عليه وسلم بين يدي الصحابة، فظنوا أنه يبكي عليهم، لكنه قال “أبكي على أصحابي الذين آمنوا بي ولم يروني”، وكان صلى الله عليه وسلم يقصدنا ويقصد كل أجيال المسلمين بعد الخلافة الراشدة، لكننا للأسف لسنا في مستوى هذا الحب والحرص والإيمان، بل وجدنا عمرو خالد وأمثاله يحاورون الدانمركيين حول الرسوم المسيئة مثلما سنجد من يخذلنا ويحاور أقباط المهجر حول هذا الفيلم المسيء.

لسنا همجا ولا يسرنا أن يقتل ليبيون سفير أمريكا بتلك الطريقة، لكن على العالم كله أن يرى غضبة المسلمين عندما يُساء إلى الرسول الكريم، ويدرك الغرب أن تلك الإساءة هي أعمق جُرحا من غزو العراق وأفغانستان ومن حصار غزة واحتلال فلسطين، وأن الرسول الكريم أحب إلينا من أنفسنا حتى وإن كنا عصاة متخلفين دينا ودنيا.

نعم.. هي الحقيقة جسدها سكّير كان يتفرج على المسرحية اللعينة “محمد خذ حقيبتك وارحل” عندما هاج وماج ورمى بزجاجة الخمر في وجوه الممثلين، وسجل بسكرته تلك أن حب الرسول الكريم مطبوع في قلوب المسلمين، حتى وإن كانوا صورة سيئة للإسلام.

سنمحي الحقيبة التي تركها الرسول الكريم حتى وإن خذلناه في الحفاظ على عزة الإسلام والمسلمين.

مقالات ذات صلة