الرأي

خرافة “زيرو كابيل”

حسين لقرع
  • 2887
  • 13

أحيانا، تكون الحقائقُ واضحة تماما ولا تحتاج إلى أيّ دليل، ولهذا يقول المثل المعروف إنّ النهار لا يحتاج إلى دليل على أنه نهارٌ وليس ليلاً، غير أنّ بعض المعارضين الراديكاليين الذين تعوّدوا على رفض كلِّ ما يصدر عن السلطة من أفعال وقرارات وسياسات، وتحميلها مسؤولية كل الأزمات والكوارث، يُحاجِجون هذه الأيام في الحقيقة الدامغة التي رآها الشعبُ كلّه في الأربعاء ناث إيراثن، وهي أنها جريمة كراهية عرقية بامتياز، ويحمِّلون السلطةَ مسؤوليتها بحجَّة “ضرب الحَراك الشعبي بمنطقة القبائل”؟!

وللأسف، فإنّ مثقفين ودكاترة يردِّدون هذه التصريحات غير المسؤولة وغير الموضوعية، وكأنّهم بذلك يُبرِّئون ساحة المجرمين الوحوش الذين شاهدهم الجزائريون جميعا في فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يقومون بضرب الشاب جمال بن إسماعيل وبتر رجله وذراعه اليُمنيين وحرقه ثم قطع رأسه، كما سمعوا جميعا العبارات العنصرية البغيضة التي نطق بها بعضُهم ضدّ العرب، وشاهدوا بعدها اعترافاتِ عددٍ منهم.. أبعد كلّ هذا يأتي من يتحدّث عن السلطة والمخابرات؟ هل هؤلاء الغوغاء الذين رأيناهم بالعشرات يتحلَّقون حول الشابّ البريء وينكّلون به بكلّ ساديةٍ وحقد ويلتقطون الصورَ التذكارية مع جثمانه، هم مخابرات؟!

وبدل إدانة خطاب الشحن العنصري الذي نشرته أطرافٌ في المنطقة منذ نصف قرن على الأقلّ، ثم “الماك” بعد تأسيسها في 2001، ضدّ العرب، وأنتج أخيرا جريمة ناث إيراثن، فقد طفقت فضائية تبثّ من الخارج تبرّر الجريمة بطريقةٍ غير مباشرة من خلال التركيز على تعرُّض المنطقة لخطاب كراهيةٍ في السنوات الأخيرة، حتى أنّ مذيعا يثير مع ضيوفه باستمرار شعارا يُنسب إلى أحد المسؤولين المسجونين الآن وهو “زيرو كابيل”، وكأنّه بذلك يتعمّد تهييج مشاعر القبائل وإشعارَهم بالاضطهاد، وهو يتغاضى بالمقابل عن خطاب المتعصّبين بالمنطقة والذي يدعو منذ سنوات إلى طرد العرب من الجزائر لأنهم أحفادٌ لـ”الغزاة” الذين “احتلوها” منذ قرابة 14 قرنا، في تجريمٍ واضح للفتوحات الإسلامية، ولا يزال “الماك” يدعو إلى الآن إلى طرد العرب من منطقة القبائل لإقامة “دولته المستقلة” هناك.. وهي دعواتٌ أخطر بكثير من خرافة “زيرو كابيل” هذه، التي لا نشعر بأيّ أثرٍ لها في الميدان من ناحية استفادة إخواننا القبائل من حقوقهم كباقي الجزائريين تماما وعدم تعرّض أيّ منهم إلى الإقصاء والتهميش على أساس عرقي.

إنّ مثل هذا الخطاب التحريضيّ الذي تفشّى في هذه المنطقة تحديدا خلافا لباقي المناطق الأمازيغية الشاسعة في الوطن، قد سمّم عقولَ الكثير من أبنائها حتى رأينا وحوشا تقتل وتسحل وتحرق جثمان الضحية وتقطع رأسه وأطرافه بكل همجية وحقد وغلّ ولا تُبدي أيّ ندم خلال اعترافاتها أمام التلفزيون.. صحيحٌ أنَّ الأمن قد اعتقل العشرات من مرتكبي الجريمة وسيُقدِّمهم إلى العدالة قريبا، ولكنّنا نودُّ أن يُفتح نقاشٌ وطني عميق حول من زرع خطاب الكراهية والعنصرية في عقول هؤلاء الشبان والفتيات حتى سمّمها تماما فأصبحوا يرون في العربي عدوا ينبغي التخلّصُ منه بكلّ وحشية وهمجية بعد أن تعايش أجدادُهم بكلّ أخوّةٍ ومودّةٍ وتعاونٍ مع العرب قرابة 14 قرنا، وأن يُقدَّم المسؤولون عن نشر خطاب الكراهية إلى العدالة بدورهم لينالوا جزاءهم لأنّ ما وقع في ناث إيراثن هو نتيجة حتمية لخطابهم المسموم الذي حوّل شبابا في مقتبل العمر إلى وحوش. وإذا كان الأمن قد اعتقل أربعة شبان في وهران لتحريضهم ضدّ القبائل، وهو تحريضٌ مدانٌ بلا لُبس، فإنّه بالمقابل مدعوٌّ للعمل في الجانب الآخر لمتابعة من ينشر الكراهية والعنصرية في منطقة القبائل ويسمّم عقول شبابها وبناتها، واعتقاله وتقديمه إلى العدالة.

مقالات ذات صلة