الرأي

“خلّيها تصدّي” والشّعب الواعي؟!

محمد حمادي
  • 4193
  • 10

حملة “خليها تصدي” التي احتضنتها مواقع التواصل الاجتماعي، وتفاعل معها رواد العالم الافتراضي، انتقلت من الفضاء الرقمي، إلى أرض الواقع، لتترجم في سلوك حضاري عنوانه الأبرز “مقاطعة السلع التي لا تتماشى أسعارها مع القدرة الشرائية للمواطن”، فكانت صفعة قوية إلى أولئك الذين أرادوا استغفال الجزائريين واستغباءهم، ولم يحترموا ذكاءهم وفطنتهم، فانفجروا دفعة واحدة على صفحات “الفضاء الأزرق”، ضدّ المحتالين والنصابين وهواة الربح السريع على حساب الطبقات الكادحة والمسحوقة، التي تعاني على كافة الأصعدة.
“خليها تصدّي” ليست مجرّد حملة افتراضية لمقاطعة سيارات “علب السردين والكرتون”، التي تباع بأثمان خيالية، وإنّما طريقة تفكير راقية، معمول بها في المجتمعات المتحضّرة، التي ترفض كل أشكال الاستغلال، فتتصدى لها بحملات تحسيسية منظمة ومرسومة الأهداف، بالاستعانة بوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وكذا تنظيم مسيرات وندوات لمواجهة الأعمال غير المشروعة التي تلحق الأذى بأفراد المجتمع.
الجزائريون، عبر حملتهم “الفيسبوكية” التي أبانت عن وعي كبير بالخطر الذي يتربص بقدرتهم الشرائية، انتفضوا ضد العقول “الصدئة” والموبوءة بالتفكير البالي الذي عفا عنه الدّهر، انفجروا في وجه كل أشكال النصب والاحتيال المتلونة بالجشع واللهث وراء الربح السريع على حساب مواطنين بسطاء يصارعون على كافة الجبهات، فلم يقاطعوا مصانع التركيب التي منحت الدولة لأصحابها قروضا ومكنتهم من العقار الصناعي لتشييدها، بل تصدّوا للممارسات غير المشروعة المعتمدة في تسويق سيارات أثمانها ملتهبة مقارنة بعلامات شهيرة مصنّعة في دول الجوار!
بعض الأصوات التي تحترف الهروب من الواقع والاختفاء وراء مبرّرات واهية، عادت لتتحدّث مجدّدا عن “نظرية المؤامرة” ومحاولة ضرب الاقتصاد الوطني بشحن الجزائريين عاطفيا عبر “الفضاء الأزرق”.. لكن أليس من حق الجزائري أن يركب سيارة بمواصفات عالمية وبأسعار معقولة؟ أليس من حقه أن يتنعم بالرفاهية على متن سيارة مركبة بمصانع دعمتها دولته؟
“خلّيها تصدي”.. أتت أكلها على أرض الواقع، حيث شلّت أسواق السيارات المستعملة، لأنه ليس من المعقول أن تباع “علبة سردين” مصنعة في تسعينيات القرن الماضي، بأكثر من 100 مليون سنيتم. كما أصبحت الحملة الافتراضية التي أضحت واقعية، تنذر التجار الجشعين بمقاطعة سلعهم في شهر رمضان، إن رفعوا أسعارها كما تعوّدوا على ذلك، كلما حلّت هذه المناسبة الدينية، التي أفرغها كثير من الانتهازيين من محتواها، وأصبحت محطة للثراء وبأيّ طريقة، بدل التراحم والتآزر.
الحقيقة، هي أن الطبيب الذي يتاجر بالمرضى ويهربهم من مستشفى الدولة ليعالجهم بعيادته بأثمان باهظة، والأستاذ الذي يلهب أسعار الدروس الخصوصية ويساوم تلامذته على النقاط، والتاجر الذي يخلق أزمة ندرة مفتعلة ليلهب أثمان سلعه، والمدرب الذي يتلاعب بمشاعر 40 مليون مناصر للفريق الوطني بخطط تكتيكية غير مدروسة، والمغني الذي يحرّض على فساد الأخلاق بأغانيه الهابطة، والمخرج الذي يأخذ الملايير لينتج فيلما ضحلا شكلا ومضمونا، ورئيس البلدية الذي يطمع في قفة رمضان.. معنيون بـ”خليه يصدي”.
باختصار، فإنّ حملة “خليه يصدي” ينبغي أن تتصدّى لكلّ الفاشلين والكسالى والمتقاعسين عن خدمة الوطن، وأولئك الجشعين والمحتالين، الذين يستثمرون في مآسي الناس، وكل من يعتبر نفسه فوق القانون، لأنّ الشعب الواعي يرفض استغلاله أو تضليله ويواجه ذلك بالمقاطعة المنظّمة والحضارية.

مقالات ذات صلة