الرأي

ديكتاتورية الأقلية العلمانية

حسين لقرع
  • 4780
  • 17

ما يحدث في مصر هذه الأيام يُعدّ خير مثال على ديكتاتورية الأقليات العلمانية في الوطن العربي، وعدم إبدائها أي استعداد لقبول حكم الإسلاميين أو التعايش معهم، ولو فازوا بالأغلبية في انتخابات حرة وشفافة.

في 3 يناير 1992، لم تتقبَّل الأقلية العلمانية في الجزائر خسارتها في الانتخابات وفوز الإسلاميين بالأغلبية فيها، فخرجوا يتظاهرون ويطالبون السلطة بالانقلاب على الشرعية الشعبية، وقد أفضى ذلك إلى سقوط أزيد من 150 ألف قتيل وخسائر أخرى فادحة لا يزال الجزائريون يعانون تداعياتها إلى الآن.وفي تركيا، شرعت الأقلية العلمانية، التي انتصر عليها حزب أردوغان في 3 مناسبات انتخابية متتالية منذ 2002 إلى الآن، في التظاهر والاعتصام في الساحات منذ 31 ماي الماضي، للمطالبة بإسقاط الحكومة التي جاءت إلى الحكم بموجب انتخابات تشريعية حرة ونزيهة لم يطعن فيها أحد.

والآن تخرج الأقلية العلمانية في مصر للمطالبة بإسقاط رئيس منتخب حصل على الأغلبية التي تؤهِّله للحكم 4 سنوات، وتحاول الضغط عن طريق الشارع والعنف والإجرام والتخريب، لإجبار الرئيس المنتخَب على الاستقالة أو دفع الجيش إلى التدخل والانقلاب على الشرعية الشعبية، بذريعة “الحؤول دون الوقوع في حرب أهلية”.

وحينما تقوم هذه الأقلية بحرق مقرات حزب الأغلبية وإطلاق الرصاص على أنصار مرسي أو مهاجمتهم بالعصيّ والأسلحة البيضاء وسحل بعضهم في الشوارع بكل وحشية، وتتسبّب في مقتل العشرات وجرح المئات من المصريين، فإن هذه الجرائم المتتالية تعبّر عن مدى دموية الأقلية العلمانية ورغبتها في فرض الديكتاتورية على مصر بالبطش والترهيب.

مرسي رئيسٌ منتخَب حاز على الأغلبية في انتخابات حرة وشفافة، وقواعد الديمقراطية تنصّ على ضرورة رضوخ الأقلية لحكم الأغلبية، وبالتالي كان من المفروض أن يُمنح الفرصة كاملة ً لتنفيذ برنامجه طيلة 4 سنوات دون نقصان. وبعد انقضائها، يمكن للناخبين المصريين أن لا يمنحوه ولاية رئاسية ثانية ويختاروا مرشحا آخر بدله في الرئاسيات القادمة. هذه هي أبسط قواعد الديمقراطية، ولا نفهم إلى الآن، كيف تحكم الأقلية العلمانية في البلد بفشل مرسي وهو لم يكمل عامه الأول في الحكم إلا منذ أيام قليلة؟ لماذا لا ينتظر معارضوه إلى غاية عامه الأخير من الحكم قبل إصدار تقييم حول فترته الرئاسية ودعوة الناخبين إلى انتخاب مرشحهم؟

ثم لنفترض جدلاً، بأن مرسي قد قرّر تحت تأثير ضغط الشارع والخوف من انزلاق مصر إلى حرب أهلية، الاستجابة لمطلب المعارضة وأعلنَ إجراء رئاسيات مسبَّقة، وترشح لها، وهذا من حقه، ثم فاز بها مجددا، أو قدَّم “الإخوان” مرشحا آخر وانتصر، هل تقبل المعارضة آنذاك بالنتائج بعد أن هيّجت الشارع وتكاد تُدخل البلدَ في حمام دم؟

 

لا نعتقد ذلك، لأن المشكلة لا تكمن في صندوق الانتخابات كما تريد الأقلِّية العلمانية إيهام الناس بذلك بالحديث عن الانتخابات المسبقة، بل تكمن في تعطشها للسلطة ورغبتها في فرض ديكتاتوريتها على مصر بالعنف و”البلطَجة”، وهي تأمل أن يتدخل الجيش ليُحقق لها ذلك ويمنحها الحكمَ على طبق من ذهب عوض أن تطلبه عن طريق الانتخابات، ولكننا لا نعتقد أن الجيش المصري سيتورَّط في هذه اللعبة الخطيرة، وحتى إذا تدخل، فلن يكون ذلك لحساب العلمانيين بل لحسابه الخاص، كما يحدث في دول عديدة انقلبت على الديمقراطية، وحينئذ سيعض العلمانيون أصابعهم ندما على ما فعلوه بالديمقراطية الناشئة في مصر، وإن كان هؤلاء في الواقع يفضلون ديكتاتورية الجيش على ديمقراطية الإسلاميين، وتلك هي مشكلة النخب العلمانية في الوطن العربي.

مقالات ذات صلة