ذئاب وخرفان!
مشاريع الثورة في الربيع العربي لم تكتمل بعد، علما أن مؤشرات عدم الاكتمال حتى لا نقول النقصان تظهر بوضوح في احتكار المجلس العسكري للسلطة بمصر، وبحث جنرالاته عن صفقة مع الإخوان، ومحاولة الإسلاميين في تونس تعويض الخراب الذي خلفته الدولة البوليسية لبن علي بمنطق جديد عنوانه ”الخلافة”، وأيضا رهان الكثيرين على التحرر من الاستعمار الخارجي الجديد في ليبيا بعد القضاء على الاستعمار الداخلي الذي مارسه العقيد القذافي لعقود.
- لا أحد كان يتمنى أن يصل حال الأمة في الوقت الراهن إلى ما وصلت إليه من انفلات أمني وسياسي، وضياع الصورة على المدى البعيد، وانشغال بالحروب والحروب المضادة، لكن سنوات الطغيان التي عشناها جيلا بعد جيل، لم تكن لتنتج سوى هذا الدمار والخراب والترهيب والتهويل.
الصور التي رآها العالم أجمع للعقيد القذافي وهو يهان، ثم يقتل على يد من لم يعاصروا رئيسا ولا زعيما غيره طيلة أربعة عقود، كانت صورة ختامية متوقعة لكل متجبر وطاغية، علما أن ذلك المشهد لم يفرز لنا في النهاية ديمقراطيين ولا متعلمين ولا متسامحين، وإنما مجرد طغاة جدد، سرعان ما خلعوا جلد الانتقام لارتداء ثوب البحث عن السلطة، وكأنّ في كل خيال عربي مريض، يقبع قذافي آخر، وعقيد جديد، وتلك هي المعضلة الأساسية التي تواجه الربيع العربي.
أما الإسلاميون الصاعدون بقوة الصاروخ في أكثر من دولة عربية، وبعد سنوات من الركود الاضطراري، فإن حربهم القادمة لن تكون مع الأنظمة ولا التيارات الليبرالية أو العلمانية مثل ما يعتقد الكثيرون، بل ستكون حربا داخلية بين تيارات متنوعة داخل عائلة الإسلاميين أنفسهم، على غرار ما بدأ يبرز من مؤشرات في تونس ومصر من صراع بين تيار الإخوان المعتدل، والسلفيين المتشددين، مثل ما يصف كل تيار نفسه، أو يقدّره خصومه.
الربيع العربي بحاجة إلى انتعاشة حقيقية، تتجاوز صدمة التغيير الراديكالي، وتنقذه من مخطط الإجهاض الذي يحاول البعض تنفيذه بأياد سورية، وهو بحاجة أيضا لكشف هوية الذئاب التي تترصد به، وكذا الخرفان التي تخشى إتمام فصوله. والحقيقة أن خوف بعض العرب على القيادة السورية، يظل سريا، رغم محاولة هؤلاء إظهار تشديد العقوبات في الظاهر، وإلا فكيف نفسر تمديد الوقت في كل مرة لتنفيذ تلك التهديدات والعقوبات، وكأن هؤلاء العرب يُظهرون ما لا يضمرون، فهم يتمنون أن ينجح الأسد في قمع الثورة حتى لا يمتد لهيبها لدولة أخرى، مثل ما يتسترون على جرائم النظام في البحرين، وبالتالي، فإن الدور الذي يقومون به وعلى غرار ما يعتقده معظم الثوار السوريين هو دور ملتبس وفي حاجة لكثير من التفكيك والتحليل.