الرأي

رابح.. “الخاسر”!

ح.م

من بين قرابة نصف مليون عنوان، زيّنت معرض الجزائر الدولي للكتاب، بدت الكتب التاريخية التي خطّها رجال ونساء ثورة التحرير وسنوات الاستقلال الأولى والأزمة الأمنية، وحدها التي حققت الإقبال وشغف القراء، وهزمت حتى كتب الرقية والسحر والحسد والطبخ التي كانت تُشدّ إليها الرحال. وبالرغم من أن ما يكتبه هؤلاء، فيه الكثير من الأنا، والقليل من الصدق، إلا أن شغف الناس يدلّ على أن ضبابية الصورة هي التي تجعل الجزائريين يتهافتون على مذكرات المصوّر، حتى ولو كان هذا المصوّر قد بلغ من عمر الحقيقة عتيّا.

ففي الوقت الذي كان الجزائريون ينتظرون ردّ فعل قويا تجاه الملف الذي نقلته “البي.بي.سي” إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم عن تمكّن الفساد من الكرة الجزائرية وسوق بيع وشراء الذمم والمباريات بالمزاد العلني، وبصمت عليه الصحيفة الفرنسية “فرانس فوتبول”، أطل علينا الشيخ رابح سعدان في لقاء مع الصحافي قادة بن عمار، ليروي لنا جزءا من مذكراته وكيف بيعت مقابلة كرة مصيرية بين الجزائر ومصر، من داخل سلّته من دون أن يتمكن من الحركة.

بعيدا عن صدق الرواية أو كذبها، وبعيدا عن الضجة التي أحدثتها في العديد من بلاد العالم، وبعيدا عن كونها بصمت على صدق ملف “البي.بي.سي” و”فرانس فوتبول”، فإن مثل هذه التصريحات غير المدروسة، تجعلنا نتمنى لو يصمت كبار الجزائر في جميع المجالات، حتى لا تخرج اعترافاتهم عن النص، أو ربما تمزّق النص بالكامل.

ليس كل من يوجه أصابع الاتهام إلى الآخر، يكون ضحية، وليس كل من يرفع ظلم الآخر يصبح مظلوما في رأي الناس، فما كتبه الجنرال المتقاعد السيد خالد نزار انقلب عليه في الكثير من أبواب مذكراته، وما قاله أيضا السيد رابح سعدان حوّله إلى “خاسر” في أرذل العمر، بالنسبة إلى الكثير من الذين استمعوا إلى اعترافاته، فمن غير المعقول والمقبول أن يُتفق على نتيجة مباراة وتُمسح الخسارة فيه، ولا يحرّك ساكنا، وأكثر من ذلك يقود المنتخب الجزائري بعد نهاية المباراة “المهزلة” في منافسة كأس العالم بعد ستة أشهر، ويبقى على رأس نفس المنتخب الوطني لأكثر من سنة تحت إدارة ورئاسة من أجبروه على ذبح نفسه بسكين الخسارة.

كلام السيد رابح سعدان، قسم الناس إلى فريقين، الأول جلد الرجل، والثاني أجهز عليه، ولم يحقق الرجل من كشفه للـ”حقيقة”- إن كانت أصلا حقيقة- سوى الانتقاد الذي طاله إلى حد اتهامه بخرف الشيخوخة، وهو أرأف اتهام، إلى رجل اعترف بأن القائمين على الشأن الكروي في الجزائر اتفقوا مع نظرائهم في مصر على أن يلعبوا في قلب اللعبة الشعبية مباراة سياسية ودبلوماسية “من دون روح رياضية”، لاقتسام الفرح والقرح، وبقي الرجل صامتا لمدة قاربت عشر سنوات، قبل أن يقول.. وليته ما قال!

مقالات ذات صلة