-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

زاوية اوقري تكرِّم الذكاء

التهامي مجوري
  • 511
  • 0
زاوية اوقري تكرِّم الذكاء

بدعوة من الأخ العزيز الأستاذ سي يونس قرار رئيس الجمعية الدينية لزاوية سيدي محند أوقري، انتقلنا يوم السبت 09 سبتمبر 2023 إلى مدينة قنزات للمشاركة في الحفل الذي أقيم لتكريم المجاهد البروفيسور يوسف منتالشتة.

تميز هذا التكريم بجملة من المعاني الإيجابية غير المعهودة في بعض جوانبها في مثل هذه المناسبات، وهو ما دفعني للكاتبة عنه في هذه الوقفة.

أولا: جهة التكريم زاوية، وهي الزاوية المعروفة بـ”الجامع أوقري لتعليم القرآن وعلومه”، والعادة في الزاوية أنها تهتم بتحفيظ القرآن وكفى، وإذا اجتهدت قليلا تعلم روادها بعض العلوم الشرعية، ومن ثم لا علاقة لها بالعلوم الأخرى ولا بأهلها. وزاوية سيدي محند اوقري خرقت هذه العادة والعرف المختل، فكرّمت دكتورا في الفيزياء، والظاهر أن هذا النشاط ليس معزولا عن باقي نشاطاتها التي أقامتها في تاريخها، أو ظرفيا لتحقيقة مصلحة آنية وغاية محدودة، وإنما هو ممتد في منهجيتها التربوية، فهي مثل غيرها من الزوايا، تحفظ القرآن ملتزمة بعدد معين تحتضنه من القادمين إليها من ربوع الوطن، فيتخرّج منه كل عام حافظ أو حفّاظ ويُكرمون، ولكن لها اهتمامات أخرى مساهمة منها في توجيه المجتمع وانشغالا بقضية النهضة في الأمة.

لقد استضافت مالك بن نبي رحمه الله في حياته واعتكف فيها أياما، بواسطة الأستاذ عبد الوهاب حمودة تلميذه الوفي رحمهما الله. وسي عبد الوهاب مسكونٌ بقضايا النهضة والإصلاح الاجتماعي والانتصار لقيم الإسلام الخالدة، وهو من كان يشرف على هذه الزاوية في حياته، قبل أن يسند أمر القيام على شؤونها إلى الأستاذ يونس قرار.

تهتم الزاوية إذن، إلى جانب تحفيظ القرآن، بمساعدة الطلبة المنتسبين إليها على إتمام دراستهم عن بعد في رحلتي التعليم المتوسط والثانوي بعد التخرج من الزاوية؛ لأن المتعارف عليه أن الذين ينتسبون للزاوية، في الغالب يلتحقون بعد خروجهم من المدارس النظامية، مع حفظ القرآن، وحرصا من الزاوية على مستقبل طلبتها، فقد وقعت اتفاقية مع مركز التكوين المهني لتكوين هؤلاء الطلبة في التخصصات المهنية والحرفية المختلفة، ضمانا لمستقبلهم المهني.

وتقيم الزاوية احتفالات في مناسبات مختلفة تكريما للتلاميذ من غير المنتسبين للزاوية من المتفوقين في دراستهم، والمعلمين من أبناء المنطقة القائمين على عملية التربية والتعليم بها. كما تحرص الزاوية على إشراك المؤسسات الرسمية، بدعوتهم لمثل هذه الاحتفالات، تحسيسا لهم بما تقوم به الزاوية، وإشعارهم بما يجب عليهم تجاهها.

تأسست الزاوية في سنة 1660، وتوجد في منطقة نائية بضواحي مدينة قنزات، بعيدة عن هرج المدينة والقرى وضجيجها. بها عددٌ معين من الطلبة تحتضنهم ويتخرّجون منها كل عام، غير منشغلة بالأعداد، كثيرة كانت أو قليلة.

كان الحفل التكريمي في شكل ندوة علمية تكلم فيها الأساتذة عن مكانة العلم والعلماء في الإسلام وأهميتهما في نهضة الأمم، وقد شارك فيها الكثير من الأساتذة من ضيوف الزاوية القادمين من خارج المنطقة، ومن أهل المنطقة أساتذة وأئمة، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الدكتور عمار طالبي والأستاذ سعيد معول. كما عرضت أشرطة ومداخلات تعريفية بشخصية الأستاذ المكرم.

ثانيا: المكرم هو البروفسور يوسف منتالشتة من مواليد 1934 بالبليدة، مجاهد، كان عضوا في اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين. اكمل تعليمه بعد الاستقلال وتخرّج من جامعة الجزائر في سنة 1967، وكانت شهادته أول دكتوراه في الفيزياء ينالها طالب جزائري بعد الاستقلال، وتقلد مناصب علمية وإدارية كثيرة، منها مدير جامعة الجزائر، وهو أب الإعلام الآلي في الجزائر. وفي كلمته يعلن البروفسور يوسف منتالشتة عن تشرفه بهذا التكريم، وبتكريمات أخرى لا يزال يحنُّ إلى ذكرها، كانت له مع بداية تخرجه من الجامعة، والتي كانت لها أهميتها بالنسبة إليه وهي:

عندما كرّمه تلامذته يوم حصوله على شهادة الدكتوراء إذ استقبله طلبته في المدرج بالهتافات والزغاريد، في أول درس له بالجامعة بعد مناقشته الدكتوراه، كان هذا أول تكريم يقول سي يوسف. والتكريم الثاني كان من رئيس الدولة: الرئيس هواري بومدين الذي استقبله بمكتبه ليهنئه. والتكريم الثالث كان بالمقال الذي كتبه مالك بن نبي رحمه الله بعنوان “تكريم الذكاء” ونُشر في مجلة “الثورة الإفريقية”، التي كان يكتب فيها مقالا أسبوعيا. والتكريم الرابع قامت به زاوية الهامل التي يقوم عليها آل القاسمي في بوسعادة.

ثالثا: البلدة التي تنتمي إليها الزاوية أو التي توجد بها الزاوية، وهي مدينة قنزات ببني يعلى ولاية سطيف.

تقع قنوزات شرق العاصمة على بعد 275 كلم منها، وتبعد  85 من مقر الولاية التابعة لها –سطيف- غربا، ولها حدودٌ مع  ولاية البرج التي تبعد عنها 90 كلم، وولاية بجاية التي تبعد عنها 75 كلم.

ورغم أن قنزات دائرة، إلا أنها منطقة صغيرة، إذ لا تتجاوز مساحتها 147 كلم مربع، وعدد سكانها نحو 3541 نسمة حسب إحصائيات 2008، وأهم شارع فيها هو الذي به المسجد العتيق الجامع، والمحلات التجارية المختلفة والمقاهي… فيها، لا يجاوز طوله 300 متر… منطقة جبلية وعرة، بيوتها مترامية الأطراف متباعدة، موزَّعة على مداشر وقرى بلغ عددها 26 دشرة أو قرية. لا يبدو على قنزات أيُّ نشاطٍ فلاحي كبير كما هي عادة أهل الريف في المناطق الداخلية، أو نشاط صناعي ضخم كما يعرف في مناطق أخرى، باستثناء الفلاحة الجبلية المعروفة في الكثير من المناطق المماثلة، مثل شجر الزيتون والتين وغيرهما.

تُنسب قنزات إلى بني يعلى، وهي الرقعة الأكبر المتكونة من أكثر من قبيلة من القبائل الموجودة هناك، ولكن نسبتها إلى يعلى القادم إليها من المعاضيد بمسيلة وبالتحديد من قلعة بني حماد، في القرن الحادي عشر ميلادي، ويبدو أن يعلى هذا كان شخصية إدارية وسياسية مهمة؛ بل شخصية ذات خبرة بالإدارة والتسيير المالي، إذ وظف ماله في تحريك “المجتمع القنزاتي” وتنميته، وعلى علم بفن إدارة المجتمع، وعلى علم بالإسلام وعلومه.

استقرّ يعلى في هذه المنطقة وزوج أبناءه السبعة القادمين معه من بناتٍ من أهل المنطقة، ونُسب إليه أنه المؤسس والمنظم الاجتماعي للمنطقة، وكما يروى عن أن أهل المنطقة لم يروا الاستقرار والرتابة إلا منذ ذلك التاريخ، بسبب صعوبة العيش فيها، إذ كانوا يرحلون عن البلدة ويعودون إليها في مناسبات مختلفة.

ونسبة أهل هذه المنطقة ليست مجرد نسبة إلى إسم فحسب، وإنما هي امتداد لنسب حقيقي يمتد إلى البيوت السبعة التي أنشأها يعلى بتزويج أبنائه السبعة من بنات عائلات المنطقة، ليصبح اسم المنطقة “آث يعلى” أو بني يعلى.

وقنزات ومنطقة أبي لعلى عموما أرض جهاد ومجاهدين، إذ يقدر عدد شهدائها في الثورة 1954/1962 بما بين ستمائة إلى ألف شهيد؛ بل كانت معقلا مهما من معاقل جيش التحرير الوطني… ولكنها في الوقت ذاته بلدة فقيرة يظهر الفقر في طبيعتها الصخرية التي لم يدخل عليها أي تعديل، باستثناء ألواح الآجر التي يبني الناس بيوتهم بها، ووعورة مسالكها وموقعها الجبلي الصعب، ولولا نشاط أهلها في خارج البلدة: العاصمة وسطيف والبرج وبجاية –ربما- لبقيت كما كان حالها من قبل، منطقة غير قابلة للبقاء فيها.

وقد حدثني مرافقي إلى قنزات وهو من أهل المنطقة، الأستاذ “عبد المومن بن مصباح” أنه يحب قنزات كثيرا ومغرم بها، ويعمل على تنشيط شبابها وبعث روح الإبداع في الشباب فيها، إذ بادر إلى إنشاء ورشة للعمل في الالكترونيك بها، لتنشيط المنطقة والاعتناء بشبابها، ورغم أن مقره الاجتماعي الرئيس يوجد بالعاصمة.

المكرم هو البروفسور يوسف منتالشتة من مواليد 1934 بالبليدة، مجاهد، كان عضوا في اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين. أكمل تعليمه بعد الاستقلال وتخرّج من جامعة الجزائر في سنة 1967، وكانت شهادته أول دكتوراه في الفيزياء ينالها طالب جزائري بعد الاستقلال، وتقلد مناصب علمية وإدارية كثيرة، منها مدير جامعة الجزائر، وهو أب الإعلام الآلي في الجزائر.

وقد أجّر محلين تجاريين مهملين على البلدية “من بقايا مشروع بوتفليقة = المحلات التجارية”، وشرع في الانتاج، وكأني به استوحى الفكرة من جده الأكبر “يعلى” الذي قدِم من المعاضيد من مسيلة، وغامر بالاستقرار هناك فحرّك المجتمع وساهم في تنشيطه واستقراره بالمنطقة بما فتح الله عليه من فهم وقدرة على تنظيم الأمور.

عبد المومن متخصص في الالكترونية، اشتغل في البحث العلمي في أهم مركز تابع لوزارة التعليم العالي، ولكنه بعد أربع سنوات رأى أنه يضيع وقته، فاعتزل الوظيفة وأنشأ مؤسسة خاصة، واشتغل على نظام في التحكم عن بُعد. وبعد سبعة عشر سنة أنفقها في تصميم هذا النظام، هو الآن في مرحلة التسويق لهذا النظام الذي هو أول منتوج إلكتروني جزائري من نوعه مائة بالمائة، وقد لفت انتباهه أن هناك مجموعات من الشباب بطالين في بلدته، فأنشأ لهم هذه الورشة، وهو الآن يتحمل صعوبة الذهاب والمجيئ مرتين كل شهر، ولكنه سعيدٌ بتشغليه أبناء بلدته النائية، وفرح أكثر بمنتوجه الجزائري الفريد، وهو مستعد لمساعدة الشباب الجزائري عموما في هذا المجال –مجال الانتاج الاكتروني- الذي يراه هو مستقبل البلاد والتحكم فيه يحقق الكثير من الاستقلال للبلاد وللإنسان الجزائري من التبعات المخزية.

لقد حضر الكثير من المهتمين بالشأن العام في هذا الاحتفال من دعاة ومصلحين ومفكرين وأكاديميين جامعيين…

أما على المستوى الرسمي، الذي تحرص الزاوية على حضورهم دائما، فقد حضر رئيس الدائمرة الذي كانت له كلمة معبرة حقيقة عن رسالة الزاوية التربوية، وعن جوهر الحفل التكريمي الذي تنظمه في المناسبات المختلفة، الذي يهدف دائما إلى ترقية المجتمع وأبنائه، في مواجهة خطاب التفاهة الذي تسوقه الكثير من الاحتفالات التي تقام هنا وهناك، كما حضر رئيس البلدية وكانت له هو الآخر كلمة أوضح فيها اهتمام الجلس الشعبي البلدي بالعلم والعلماء، وكثير من رجال التربية والتعليم من أبناء البلدة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!