الرأي

“سامحونا.. نحن المذنبون”

لم يبق للسيد عبد اللطيف بن اشنهو، وهو يخطّ كتابه “الاقتصادي والسياسي”، الذي يؤرّخ لمرحلة تواجده على رأس هرم السلطة، كوزير للمالية ومستشار رئاسي، سوى أن يطالب بمحاكمة علنية للشعب، وينشر له المشانق في الشوارع، عندما حمّله لوحده الوضع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي البائس، الذي بلغته الجزائر في السنوات الأخيرة، واتهمه بالعبودية المطلقة لريع البترول.

فبالرغم من أن الرجل كان وزيرا للمالية، فإن كتابه خلا من الأرقام التي هوت بالاقتصاد الجزائري إلى الحضيض، واكتفى بكلام “الإنشاء” الذي اعتبر فيه الشعب المسؤول الأول، بل الوحيد الذي جرّ البلاد إلى الهاوية، لأنه رفض العمل ورفض البحث عن لقمة العيش بعيدا عن مطر النفط الذي كان يتهاطل على البلاد من سحابات “حاسي مسعود”. وعندما يُحمّل مسؤول كبير، لا يوجد أكبر من مناصب القيادة التي تولاها، من كان يقودهم، تبعات أخطاء وزارته وبقية الوزارات، فمعنى ذلك أننا لن نصل إلى درجة الاعتراف بالخطأ الذي يُوًلّد في العادة الهمّة، نحو تصحيح المسار أو على الأقل وضعنا في خانة “خير الخطائين التوّابون”.

قد نجد للسيد عبد اللطيف بن اشنهو ولغيره من الذين قادوا البلاد في العقود الأخيرة بعض الأعذار عندما قطعوا نهائيا حبل “الوصال” بينهم وبين الشعب، ولا نقول بينهم وبين الأداء الراقي، بسبب بريق المنصب وتبعات قديمة، لكن أن يظل الرجل وغيره من الرجال  حتى وهم بعيدون عن الحكم، يرون أنفسهم ملائكة منزهون، ويرمون غيرهم بـ “التشيطن”، فذاك أداء تاريخي آخر يعني بأننا لن نتمكن من تدوين أخطائنا، وواضح بأن الذي لا يعرف خطأه ولا يعترف به غير مؤهل إطلاقا لتصحيحه والانتقال إلى الأداء السليم أو الانسحاب لترك المهمة لغيره.

فإذا كنا قد قبلنا على مضض تلك الكتابات السياسية والتاريخية التي شهدتها الجزائر في السنوات الأخيرة، والتي لم تزد المشهد السياسي العام المظلم سوى مزيدا من السواد، فإننا نجد أنفسنا رافضين مثل هذه الكتابات الأخيرة التي خطّها عدد من الذين نصفهم بالاختصاصيين في الاقتصاد وفي المالية، لأن الأمر يتعلق بأمور حسابية وتقنية لا بدّ وأن تبنى على معادلات وأرقام، وتنتهي إلى نتيجة في ذكر اسم المخطئ ولقبه وعنوان بيته، وذكر المعادلة الصحيحة الواجب إتباعها.

لا يمكننا تبرئة الشعب الذي شارك “جماعات”، مع سبق الإصرار والترصد، في جريمة “حلب” بقرة حاسي مسعود وشرب حليبها، بالرغم من أنه لم ينل زبدتها، ولا يمكننا أن نعتبره دائما “خروفا” في المذبح الاقتصادي والاجتماعي الكبير الذي شهدته الجزائر، لأن كل شخص راع، ومسؤول عن رعيته، إلا أن المسؤولية درجات، والعقاب حسب هذه الدرجات، وإذا كان للشعب أخطاؤه الجسيمة التي لا يمكن نكرانها، فإن خطأه الأكبر هو خروجه من الحياة السياسية، التي جعلت هؤلاء المسؤولين يتجرؤون على القيادة، ويتجرؤون على توجيه الاتهامات لغيرهم.

مقالات ذات صلة