سيبقى الشعبي تاريخا والراي موضة

وسط جو عائلي ممزوج بروح مرحة، وحديث لا يخلو من الكلام الرزين والمعنى المبيت إستقبلنا أحد مشايخ أغنية الشعبي، صاحب “عليك بالهنا والضمان” .”عزيوز رايس”تحدث في هذا اللقاء عن بداياته، وواقع أغنية الشعبي بين مختلف الطبوع الغنائية، بالإضافة لمشاييخه وفضلهم عليه.في هذه الزيارة الخاصة لهذا العدد.

“قيثارة “الفرنسية غيرت حياتي

*يعود “عزيوز رايس” في هذه الجلسة  لمسيرته الفنية بقوله “لي شهدولوا اليهود والنصارى فنو مراحش خسارة”.و” لي شيخو العنقى وعمر فنو بنين كالتمر”. حيث كشف عن أولى خطواته نحو الشعبي.وأول من إكتشف موهبته هو أستاذه اليهودي ”آنكاوا” الذي بارك صوته بحكم أنه كان يدرّسه وقال لأمه: “لإبنك موهبة الغناء وسيكون مغني في المستقبل” .وتذكر الإبن الوحيد لعائلة رايس ب”باب جديد” حادثة أثرت فيه وهو صاحب 8 سنوات وقال: لم تم الإعلان عن الإستقلال وبدأ الفرنسيون المعمرون يغادون أرض الوطن وبحكم أن أبي كان ينقل أغراض الناس عن طريق حصانه وعربته”غاريطة”.كنت معه حين إلتقينا بالصدفة مع عجوز فرنسية طلبت إلى أبي أن يقلّها للميناء وكانت تحمل معها رزمة من الأغراض المختلفة”القراوج” وما شدني فيها بالقراوج هو قيثارة صغيرة وكنت بخفية أحاول الوصول إليها ولما لمحتني تلك السيدة أعطتني كل تلك الرزمة بما فيها القيثارة التي غيرت حياتي. حاولت ترميم أوتارها فور وصولنا للمنزل ونزلت بعدها مباشرة للحومة “القصبة” وبدأت أعزف ووأذكر النوتات الأولى التي بدأت بها كانت أول أغنية أدندنها هي :”…إيه يا محند يا مدام سربي لاتاي..”.وأغنية ل “العنقيس” “الكمالي” بحكم أنها خفيفة الإيقاع  وليست صعبة في العزف.ومن هنا بدأت رحلة العصامية بالشعبي.مردفا: “الموهوب ما هوش مكسوب” مواصلا:”الشعبي من الزنقة مولاه العنقى والعنقى بدوره تعلمه في الزنقة على مشايخه الناظور وآخرون، وأنا تعلمت في الأعراس.والشيء الجميل في عصاميتي هو أنني متفرد في الغناء كما أنه لي طبع خاص بإيقاعي وكلماتي.فمنذ سن 13 بدأت أحيي الأعراس وعملت كعازف ومغني، وأذكر أن في ذلك العمر غنيت بالمسرح الوطني وكانت معي “نادية بن يوسف” مع فرقة البلبل مع عمي “علي” .

بدأت في سن صغير وكنت محاطا بالكبار

*ولأن أبو “رضا وإلياس”ولد كبيرا وجالس كل الفنانين، كانت بدايته سنة 1967 بتقليد  “عمر الزاهي”، خاصة وأن تسجيله الأول”يا العذرى” ثم أغنية ” الشمعة لي حرقت”كانا يعرفان نجاحا باهرا.وحكى وحيد آل رايس فقال:في إحدى السهرات بدأت أغني ولم أعلم أن الشيخ “عمر الزاهي” سيأتي  وكان الحفل على السطح ولما وصل “عمر” تضايق من زملائه وقال لهم لماذا تذيعون التسجيل الخاص بي، ولم يكتشف أني أنا من كان يغني وجاء عندي وقال لي: “حلفتني 3 مرات يا وليدي وأنا أصر على أن الصوت هو تسجيلي !!”وكان يناديني “وليدو” .يذكر محدثي مشايخه بكثير من العرفان والإمتنان بقوله:ساعدني كثيرا “بوعلام رحمة” كان يأخذني معه أينما رحل وإرتحل. وخرجت معه لعديد المناسبات والحفلات بتلمسان، بجاية، عنابة …وهو من فتح لي أبواب “ألحان وشباب” في 1973 1974  .ثم مهرجان أغنية الشعبي في المسرح الوطني في سنة 1975.وبعدها عرفت “الباجي”، الذي كان يعمل حارسا في سجن سركاجي “بربروس”.وكان عندما يكمل عمله يأتي ليتسامر مع عمي علي الذي يبيع “الطيور”. وفي يوم قال لي :”عزيوز راك مزوج؟؟ قلت له لا؟. قال لي:”راك عارف مع شكون تتزوج”. قلت له لا؟ .فقال:” أمالا راني رايح نمدلك أغنية تدير بيها نجاح كبير:”فين هي المكتوبة ليا تكون شريكتي في الحياة” ..ثم أخذت عليه:”عليك بالهنا والضمان”وحققت نجاح كبير في سنوات السبعينات.ففي 1980 “الهاشمي قروابي” كان يسجل 800 نسخة أنا سجلت ب”عليك بالهنا والضمان”  1200 نسخة.وفي سنة 1982 أخذت من “محبوباتي” 4 أغاني أعطاهم ل”عمر الزاهي” ولما لم يأخذهم أخذتهم أنا وهن :”نعرفك مغيارة”.”أجي أجي يا قلبي نخبرك” “حييني محتاج للحياة:”يا ليلى يهديك خفي”. وسجلتهم مع “كاديك”.كتب لي أيضا “كمال طواهيرية”، و”كمال بقرمي” و”رشيد بناني“.

سيبقى الشعبي تاريخ والراي موضة

*يدافع صاحب أغنية”عليك بالهنا والضمان”على أغنية الشعبي التي يؤكد أنها ساهمت بقسط كبير في إثراء طابع الغناء الشعبي الجزائري، ورسخت هذا النوع من الموسيقى لدى الكثيرين من عشاقه.مواصلا: الشعبي هو نوع من الموسيقى الراقية التي تحمل في طياتها الكثير من الدلالات والقيم الأخلاقية الرفيعة، ثم إن الموسيقى الشعبية ليست مجرد غناء للترويح على النفس أو خلق فضاء للإستمتاع فقط، وإنما هي، إذا تمعنا في كلماتها وألفاظها وحتى في إيقاعاتها الموسيقية، تجدها نوعا من الرقي والرفعة، مما يدل على أن هذه الموسيقى تحمل أبعادا جمالية وفنية بالمقارنة مع الطبوع الغنائية الأخرى، وقد عرفت تألقا كبيرا في السبعينيات، وأصبحت لها شعبية كبيرة.وبمجرد وفاة الرئيس الراحل “هواري بومدين” تغيرت الموازين واختلفت وجهات النظر من خلال فرض أغنية الراي، حيث تم إدخالها للإذاعة والتلفزيون، ومن ثم  دخل الشعبي في متاهات أمام أغنية الراي ومثلما قال  ناس زمان:” •• تركوا الصحيح وشدوا  فالريح”•موضحا:لكن سيبقى الشعبي تارخا والراي موضة .للأسف في وقتنا هذا لا يوجد من يسمع الكل يريد الرقص !! و.الراي أكثر ما يعاب عليه هو الكلام .:”عن عن عن طع طع طع…”هذه كلمات؟؟ !! وخرج للعالمية لأن الشعب يعيش في الظلامية ونحن في عهد السهولة، أترك ما هو صعب واتبع السهولة.

أنا فنان ولست تاجر !!

*أنا لم أتغيب يوما عن الساحة الفنية الجزائرية، غير أن الظروف في بعض الأحيان تكون عكس نجاحك.هكذا أجاب مستضيفي عن سؤالي :أين أنت في وسط هذا الزحام؟؟أعتقد أن هناك تهميش من طرف الإعلام وأيضا، عدم برمجتي في الحفلات الوطنية. الآن نحن كبرنا وهم اليوم يهتمون فقط بالشباب. أنا فنان ولست تاجر ومن المفروض أن الفن شيء نبيل !! للأسف أصبحنا مثلما قال “الهاشمي قروابي” كي “القطايف” من رمضان لرمضان زوج حفلات مع “الديوان الوطني للإعلام”، و”فنون وثقافة”وانتهى الأمر !! . نحن محترفين منذ سنة 1962، يعني عندي 52 سنة  وأستدعى لإحياء حفلة أوحفلتين هذا ليس معقول !!.لذا أنا أدعو الوزيرة لأن تضع لنا برنامج للنشط على طول السنة .قائلا: “هكذا حتى ما يكونش الواحد اسمو عالي ومرسمو خالي“.

أدين بنجاحي ل”عمر الزاهي“

*أقرّ محدثنا أن شيوخه هم:”محمد العنقى”، ثم “عمر الزاهي”،  “بوعلام رحمة” وشيخ شهرتي هو “الباجي”.مواصلا:أننا لست ناكرا للفضل والجميل أذكرهم أينما حضرت وُدعيت كلنا تلاميذ “العنقى” هو الشعبي بحد ذاته.وأكد ذات المتحدث أنه يدين بنجاحه ل”عمر الزاهي” الذي قال له في التسعينات :”أنت رجعت غول في الشعبي”.أما “الهاشمي قروابي” كان يقول له “أنت ما نحشمش بيك”.وكان يقصده ليصحح له القصائد وكان دائما يوصيني: ب:”وين تحط روحك تصيب روحك”.عرّج “شيخ الشعبي” على الجيل الجديد ممن يحملون مشعل الشعبي وأوضح أنه لا يمانع أن يدخل هؤلاء موسيقى جديدة على أغنية الشعبي وأن يحاول تغيررها المعم أن لا يكونوا جاحدين وأن يقروا بفضل من سبقهم.كما أنه لا يمانع فكرة توريث الفن لكن على أن يكون بموهبة وهو حال إبنه “رضا“.

حصلت على رضا العنقى وعمري 19 سنة

*قلبنا صفحات الذاكرة مع الفنان “عزيوز رايس” وحاولنا استنطاق بعضا مما علق فيها.فقال في سنة 1973  كان عمري 19 سنة .حضرت حفلا في القبة عند “عبد القادر شرشام”الحفل حضره كل أعمدة الشعبي آنذاك.وعرض عليا أن أغني وكانت فرصة لم أنساها في حياتي غنيت “الصلاة والسلام على إمام لرسال سيدنا محمد ربحي وراس مالي”.أخذتها عن العنقى.وأعجبته كثيرا وأبدى رضاه.حتى أنه استدعاني عنده.كما يذكر الشيخ ليلة المولد النبوي الشريف لسنة 1980 حين أحي حفلا بقاعة الأطلس باب الواد وفاضت القاعة بما فيها من كثرة الجمهور الذي حضر وغنى مع “عزيوز رايس “أجمل قصائده. يحتفظ شيخ الشعبي لحد اليوم بقيثارته التي بدأ بها مشواره.بالإضافة إلى “قدر وكسكاس” يعودان لزمن الشباب.