الرأي
أضاليل وشبهات وإغراءات وشهوات

شباب الجزائر.. هل أصبحوا هدفا مفضَّلا للمنصّرين

سلطان بركاني
  • 6493
  • 0
الأرشيف

كثيرة هي المحن التي يكابدها الشّباب في هذا البلد من بلاد المسلمين؛ محن تؤرّق العيون وتقرّح الأكباد، تزداد كثرة وحدّة عاما بعد عام، لعلّ من أخطرها على الإطلاق، محنة الردّة عن الإسلام التي تسمّى في عصرنا بـ”التّنصير”. هي أخطر المحن ولا شكّ، لأنّها تتهدّد أعزّ وأغلى ما يملكه المسلم في هذه الحياة، شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله؛ هذه الشّهادة التي ضحّى الآلاف من الفاتحين في عهد عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، بكلّ غال ونفيس، لأجل غرسها في هذه البلاد، ووَحّدت هذا الشّعب المسلم في وجه الحملات الصّليبية على مرّ القرون، وأخرجت الاستعمار الصّليبيّ الفرنسي بعد قرن و32 سنة من دون أن يحقّق هدفه في تنصير هذا البلد المسلم؛ ولأجل هذا كان لزاما أن نحزن ونتألّم إذا ارتدّ شابّ واحد عن دينه وتخلّى عن عقيدة التوحيد واعتنق عقيدة التثليث، كيف والحال أنّ الآلاف من شبابنا قد تنصّروا وتركوا دين العلم والعقل والدّليل، ليعتنقوا دين الخرافة والتّحريف والتّضليل.

ربّما يبدو لغير المهتمّين بمتابعة حيثيات هذا الملفّ أنّ ظاهرة التّنصير في هذا البلد مبالغ فيها، وتتعمّد بعض الأوساط تضخيمها لأهداف معلومة، ولكنّ الحقيقة أنّ الدّعوات التي ترتفع من حين لآخر تنادي بالضّغط على الجهات المسؤولة لأجل السّماح بإدخال وطباعة الأناجيل والمنشورات التّنصيرية، والاهتمامَ اللافت الذي توليه المنظّمات والقنوات التّنصيرية لشباب هذا البلد، وكذا الإحصاءات التي تتحدّث عنها بعض الأوساط المستقلّة، كلّها تدعو إلى القلق؛ كيف لا وأكثر من 10 آلاف شابّ جزائري تنصّروا خلال العشرية السّوداء التي عاناها هذا البلد، وآلاف آخرون تنصّروا قبلها وبعدها، يرتادون أكثر من 300 كنيسة موزّعة على تراب هذا الوطن الذي سقي بدماء الشّهداء. ربّما لا يمثّل هذا الرّقم شيئا مقارنة بعدد من يعتنقون الإسلام في أمريكا وأوروبا، حيث تشير بعض الإحصاءات بأنّ أكثر من 17 أمريكيا وأكثر من 20 أوروبيا يُسْلمون كلّ يوم. المسلمون في أوروبا يمثّلون الآن عُشر عدد السّكان وسيكونون أغلبية بعد أقلّ عشرين سنة بإذن الله. فلا مقارنة أبدا بين عدد المرتدّين من المسلمين وعدد الدّاخلين في الإسلام من غير المسلمين. لكنّ الذي يحزّ في النّفس أنّ الذين ارتدّوا وتنصّروا من شبابنا لم يُقْدموا على ذلك لقوّة حجّة دعاة التّنصير ولا لجودة بضاعتهم، وإنّما لقوة نشاط المنصّرين وتعدّد وتجدّد أساليبهم في التّغرير والخداع، حتى بلغ بهم الأمر إلى حدّ بناء كنائس على شكل مساجد، وطباعة أناجيل بحلة مصاحف يتمّ دسّها في رفوف المساجد، وترتيل الإنجيل على هيئة ترتيل القرآن، فضلا عن تعمّد بعض المنصّرين ارتداء ألبسة تضاهي لباس علماء المسلمين، واستعانتهم بالفتيات الجميلات لقراءة التراتيل النّصرانية داخل الكنائس!.

النّصرانية المحرّفة والمصادمة للفطرة والعلم والعقل، لا يمكن أبدا أن تجد لها طريقا إلى عقول الشباب، ولكنّها مع كلّ أسف تجد طريقا إلى عواطفهم وإلى بطونهم وشهواتهم، وتستغلّ جهلهم بأبجديات وبديهيات الإسلام لتشكّكهم فيه. العشرات في أمريكا وأوروبا يدخلون في الإسلام كلّ يوم ومنهم علماء ودكاترة وباحثون، ومنهم من اكتوى بنار الإباحية فوجد في الإسلام الملاذ الآمن، وبعض شبابنا يتنصّرون رضوخا لشبهات متهافتة، ولهثا خلف الشّهوات والأموال. أحد الشّباب المتنصّرين حينما سئل عن سبب تنصّره قال من دون حرج: “اعتنقت المسيحية لأنّها تبيح الخمر والنّساء، وقال آخر: “أعجبني الدين المسيحي، خاصّة وأنّه يبيح كلّ شيء من مأكل ومشرب، وبالأخصّ النّساء، فلا حول ولا قوّة إلا بالله، أين بلغت الشّهوات بشبابنا!.

شباب آخرون يتنصّرون لأجل مبالغ مالية يحصلون عليها كلّ أسبوع، وآخرون يتطوّعون لدعوة زملائهم إلى الردّة عن دين الله واعتناق النّصرانية المحرّفة، لأجل أن يتقاضوا مبالغ مالية مقابل كلّ شابّ يردّونه عن دين الإسلام؛ يحدث هذا في الوقت الذي تنكّرت الدّولة الرّسمية لهموم الشّباب وآلامهم وآمالهم، وزادهم المجتمع يأسا وقنوطا بسبب التّنافس المحموم على المظاهر، هذا التّنافس الذي أدّى إلى وضع العقبات في طريق الحلال وإلى إيصاد كثير من أبوابه، وهو ما جعل مَن ضعف إيمانهم وقلّ يقينهم من شبابنا يطرقون أبواب الحرام، ويبحثون لأنفسهم عن أعذار ومبرّرات، وجدها بعضهم في أكاذيب المنصّرين، الذين يُغرون ضحاياهم بدين لم يعرفه نبيّ الله عيسى عليه السّلام ولا غيره من الأنبياء، دين يعفي معتنقه من العبادات والطّاعات، ويفتح له أبواب الشّهوات، ويسوّل له بأنّ الإيمان بألوهية المسيح يعني أنّ عيسىعليه السّلامسيتحمّل عن المتنصّر كلّ ذنوبه!، دين ما أنزل الله به من سلطان، وضعه الرّهبان الذين جعلوا أنفسهم أربابا من دون الله، يشرّعون ويحلّون ويحرّمون، وليس غريبا على من كذبوا على الله وادّعوا لـه الصّاحبة والولد جلّ شأنه أن يكذبوا على نبيّ من أنبيائه وينسبوا إليه أنّه أباح الخمر والخنزير والزّنا!.

لقد وجد المنصّرون ضالتّهم في كثير من شبابنا الذين أصبحوا يريدون أن يعيشوا حياةً بغير تكاليف ولا ضوابط ولا حدود ولا محرّمات، وصار بعضهم يتبرّمون من كلمةحراموإثموسيئة، ولو كانت تتعلّق بالمحرّمات المنصوص عليها في آيات قرآنية محكمة واضحة، وأضحت تستهويهم كلّ دعوة جديدة تبرّر لهم التنصّل من الفرائض والواجبات، وتهوّن عليهم الوقوع في الممنوعات والموبقات.

 

لأجل هذا فقد أصبح لزاما على العلماء والدّعاة، وعلى شباب المساجد، أن يتحرّكوا لاحتواء هؤلاء الشّباب، قبل أن تتخطّفهم هذه الجهات المتربّصة؛ ديننا دين علم وعقل، ما حرّم شيئا إلا وفيه من المضارّ ما يطغى على المنافع، إن كانت له منافع، وما أمر بطاعة إلا وفيها من المصالح الدنيوية قبل الأخروية، ما تحصل به راحة البدن وطمأنينة القلب وسعادة الرّوح.

مقالات ذات صلة