-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
في صحبة موسى والخضر(5)

شيء من العلم اللّدنّي

أبو جرة سلطاني
  • 867
  • 4
شيء من العلم اللّدنّي

المسمّى بـ”العلم اللّدنّي” لا ينبغي لرسول، كما أنّ الوحي لا ينبغي لغير الرّسل ولو كانوا من صفوة أوليّاء الله الصّالحين ومن أفاضل النّاس وأتقاهم وأصفاهم بعد رسل الله، وهو ما أكده الخضر بقوله لموسى -عليه السّلام-: “أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك وأنّ الوحي يأتيك. يا موسى إنّ لي علما لا ينبغي لك أنْ تعْلمه. وإنّ لك علما لا ينبغي لي أنْ أعْلمه”. فلما رأى طائرًا يحطّ على صفحة الماء ويأخذ بمنقاره من البحر شيئا قال: “والله ما علمي وعلمك في جنْب علم الله إلاّ كما أخذ هذا الطّائر بمنقاره من البحر”. فإذا كان الخضر عبدا صالحًا فواجبه أن يكون من أتباع موسى –عليه السّلام- ومن أنصاره في زمنه، ولن ينبغي له أن يكون غير ذلك. أما إذا كان نبيّا فواجبه الأوّل الإيمان بما أرسل الله به موسى –عليه السّلام-، والسّعي في نصرته كما فعل هارون –عليه السّلام، لأنّ الله أخذ على كلّ نبيّ أنْ يتّبع الرّسول المرسل في زمانه. وهذا عهد الله للناس بنصّ القرآن الكريم في سورة آل عمران، الآية 81.

أيًا ما كانت صفته ومكانته عند الله ـ إن كان بشرًا، يبقى موسى –عليه السّلام- مقدَّما عليه بالرّسالة والتّبليغ، ومهما يكون علمه بالغيب فالوحي مقدّم عليه لأنّه تكليف أمر الله -جل جلاله- رسله بتبليغه الناس هداية من ضلال واستقامة من انحراف ورشادة من تيه ومنهجا ينتظم حركتهم في الحياة. فموسى –عليه السّلام-  أعلم من الخضر -رضي الله عنه- بما علمه الله من وحي وبما اصطفاه له من شرْعة ومنهاج ليبلّغ عنه كلامه الضّابط لحركة الحياة والمنظّم لشؤون النّاس وعلاقاتهم، وهو المقصد الأعلى من علوم الشّريعة. بينما الخضر-رضي الله عنه- كان أعلم من موسى –عليه السّلام- بما علّمه الله من لدُنْه علما لا يحكم حركة الحياة الدّنيا ولا يهتمّ بتنظيم شؤون المعاش، وإنما هو علمُ “كشْف” مستشرف للمستقبل وعلمُ استبصار لما هو خفيّ مستور خلف الأسداف الحاجبة للعالم المشهود، وهي الحركة التي تجعل المستقبل حاضرًا والأفعال غير مظروفة في تراتبيّة الزّمان والمكان. بيْد أنّ الناس لا يعيشون إلاّ وهم يتحرّكون في مكان محدّد وفي زمن متحرّك بفعل ما يُحْدثون من أقضيّة لا أحد يعلم ما تؤول إليه في أطواء الغيب الذي لو قدّره الله كشْفًا لانتفتْ سُنن كثيرة بصيرورة الغيب شهادة لا يحتاج معها العامل انتظار النّتائج المكشوفة له قبل الفعل، ولا ينتظر وحيًا يزيح عنه الحجب، بل لا ينتظر اليوم الآخر ليتكشّف أسرارَ أفعاله مادام قد رآها مكتوبة قبل فعلها.

لو حدث هذا لتعطّل التّكليف فلا تبقى للإيمان قيمة ولا للعمل جزاء؛ فما قيمة السّعي والاجتهاد والابتلاء أو تقدير المصلحة.. إذا كان الغيب مكشوفا يراه المرء قبل أن يقْدم على فعله ويبرز إليه مكرها لأنه قدَرٌ سابق. وهذا هو العلم اللّدنّي الذي أبدى الله منه شيئا لعبده الخضر فلم يستطع موسى –عليه السّلام- الصّبر على أكثر من ثلاثة مشاهد وتمّ الفراق بينهما بعد أن فسّر له ما حجبه الله عنه بأمر منه: ((وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا)) (الكهف: 82).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • لزهر

    ومن هذا إذا كان طائراً علمتُ أنه رجل ذو أسفار كحال الطير ثم نظرت ما طبعه فإن كان طاوساً كان رجلاً أعجمياً ذا جمال و مال وكذالك إذا كان نسراً كان ملكاً و إن كان غراباً كان رجلاً فاسقاً غادراً كذابا لقول النبي صلى الله عليه وسلم ولأن نوحاً عليه السلام بعث به ليعرف حال الماء أنضب أو لا فوجد جيفة طائفة على الماء فوقع عليها و لم يرجع فضُرب به المثل وقيل لمن أبطأ عليك أو ذهب و لم يعد إليك :غراب نوح لابن سيرين و النابلسي.

  • لزهر

    قال صلى الله عليه وسلم لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له. ونعود إلى إبن خلدون الذي يقول و أول ما بدئ به النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا فكان لا يرى رؤيا إلا جائت مثل فلق الصبح و كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا إنتقل من صلاة الغدا يقول لأصحابه هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ يسألهم عن ذالك ليستبشر بما وقع من ذالك مما فيه ظهور الدين و إعْزازِه.

  • لزهر

    تعبير الرؤية هو علم يتعرف منه المناسبة بين التخيلات النفسانية و الأمور الغيبية لينتقل من الأولى إلى الثانية و ليستدل بذالك على الأحوال النفسانية في الخارج أو على الأحوال الخارجية في الآفاق (السماء) ومنفعته البشري أو الإنذار بما يرونه هذا ما ذكره الأزنيقي وأبو الخير و أورده في فروع العلم الطبيعي. وقال هو علم يتعرف منه الأستدلال من المتخيلات الحملية على ما شاهدته النفس في حالة النوم من عالم الغيب. و قال إبن خلدون رحمه الله و أما الرؤيا و التعبير لها فقد كان موجوداً في السلف كما هو في الخلف و ربما كان في الملوك و الأمم من قبل إلا أنه لم يصل إلينا للأكتفاء فيه بكلام المعبريين من أهل الأسلام. و إلا فالرؤيا موجودة في صنف البشر على الإطلاق و لا بد من تعبيرها.

  • قديد

    اهاهاها ما دعوة الخظر في وقتنا الحالي ؟ أكنت تقتدي به لما كنت مع الطاقم الفني الحكومي والذي اتي علي الأخضر واليابس ؟ أو انك تتمني أو ممكن انك تعتقد انك مثله؟ سبحان الله ! عجيب امر هؤلاء الذين لم تكن لهم ولو ذرة من الشجاعة في التصدي لكل الفساد الذي شاع في حقبتهم ويأتون اليوم وكانهم اصحاب نقاء وصفاء وأنهم علماء هذا العصر كفي هراء و القول الأصح : الساكت عن الحق شيطان اخرص مزبلة التاريخ لم تمتلئ بعد فهل من مزيد والشعب لا ينسي مهما مضت الأيام