الرأي

طلب الحرية ضمن قفص التغريب!

محمد سليم قلالة
  • 1196
  • 10

لَعلنا نعيش اليوم حالة فوضى في القيم، واضطرابا في الأطر الفكرية، وضبابية في الرؤية المستقبلية، لم تعرفها أمتنا الإسلامية حتى في أَحلَكِ ظروفها. كلٌ يَدَّعِي الوعي، الفهم الإدراك والمعرفة، ولكن على طريقته، بلا مرجعية ولا رموز فكرية واضحة، ولا علم! هي شعارات يرفعها الكثير، لأنها بَدَتْ لهم رَنَّانة، حاملة للأمل، أو عالمية: الديمقراطية، حقوق الانسان، حرية الرأي والمعتقد، المساواة… الخ، إلا أنهم أبدا ما طَرحوا بشأنها الأسئلة الرئيسة التالية: ضمن أي إطار حضاري ينبغي أن تكون؟ وعلى أي قاعدة من القيم ينبغي أن تَرتكز؟ وأي محتوى فكري ينبغي أنْ تَحمل؟ وما هي الشخصيات الفكرية والسياسية المرجعية التي ترمز لها؟

 ولا طرحوا الأسئلة الفرعية المنبثقة عن هذه الأسئلة الرئيسة: لماذا يُفرَضُ علينا فهم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية والمساواة كما يفهمها الأمريكي والأوروبي، وكما يُمارسها في واقعه المعيش؟ لماذا نُضطَر لأخذ هذه القيم فقط من المنظور الغربي الليبرالي، المستلهَم من الإطار الحضاري الإغريقو- روماني الفاوستي، في نطاق القيم المسيحية – اليهودية؟

بل إن غالبية مِنَّا لم يُحاولوا إدراك، لِمَ يكون هذا الغربي الأوروبي أو الأمريكي هو أول من يُحارب الديمقراطية ويَدْعم الاستبداد والدكتاتورية ويَعتَدي على الحرية وحقوق الإنسان ويقبل الظلم، إذا ما لاحظ أن أيا من هذه القيم والخيارات ستُقَوِّضُ مصالحه، أو سَتَفضي إلى إحياء قيم وطنية غير قِيَمِه، إن كانت إسلامية أو افريقية أو لاتينية أو آسيوية؟ لِمَ لا يرى الجميع كيف أنه حارب قيمه بالفعل بما فيها الديمقراطية ومازال يفعل كلما لاحظ وجود تطلع لاستعادة الذات الحضارية أو الخروج من الهيمنة الأمريكية – الصهيونية – الأوروبية؟ ألم يفعل ذلك في الجزائر ومصر وإيران وتركيا، وقبلها في الكونغو وتشيلي والسلفادور؟ ألا يقوم اليوم بشن الحرب عن كل بديل للتحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية غير بديله، في الصين وروسيا، وحتى في دول صغرى كالصومال والنيجر ومالي، بها قوى تتطلع أن تستعيد ذاتيتها الإفريقية الأصيلة؟

ألا يرى جميعنا أن أنصارَه الذين يبدو أحيانا أنهم شبه مُصطفين إلى جانب شعوبهم في نهضتها ضد الاستبداد والظلم، لا يلبثوا أن ينكشفوا عن حقيقتهم، وينقلبوا على شعوبهم، بمجرد انتصار هذه الشعوب لأصالتها وتاريخها ورفضها للتغريب؟ ألم يُسارِع البعض منهم في أول فرصة أتيحت لهم في بلادنا ليطعنوا ويسخروا من القيم الباديسية والنوفمبريية تحت غطاء محاربة النظام؟ ألم يُسقِط البعض الآخر رئيسا منتخبا ديمقراطيا في مصر باسم محاربة الإسلاموية؟

ألا يَدلُ هذا أن مفهوم التغيير ذاته، ليس بنفس المعنى عند الجميع؟ ألا يؤكد هذا أن أي عمل سياسي أو ثوري من غير قاعدة فكرية وحضارية واضحة سيكون بالضرورة مؤطرا من قبل آخرين لا نعلمهم؟ وبالضرورة ضمن قفص التغريب؟

أليس هذا هو حالنا اليوم؟ في الوقت الذي نعتقد أننا نسير باتجاه هدفنا المشروع في الإصلاح الوطني ضمن ثوابتنا الفكرية والسياسية والتاريخية وخطنا الحضاري، يقوم آخرون بتحريف وجهتنا، باسم العصرنة والتحديث والتمدين والعالمية وغيرها من المصطلحات الرنَّانة…

هل نكون سادة أنفسنا هذه المرة ونخرج من فوضى القيم واضطراب الأطر الفكرية إلى الرؤية الواضحة الحاملة لمشروعها الحضاري المتميز؟ أم أننا سنرضى بالبقاء ضمن القفص الفكري الذي سَجَنَنَا الغرب ضمنه منذ موجة الاستعمار الأولى، وفي كل مرة يوهمنا من خلال توسعته بعض الشيء أننا أصبحنا أحرارا؟ أليس هذا هو سؤال الوعي الأساسي إذا أردنا أن نكون بالفعل أحرارا…

مقالات ذات صلة