-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
وزارة الصحة تحصي قرابة 30 ألف اعتداء جسدي ولفظي مع بداية 2019

عنف المستشفيات العمومية.. نقص الإمكانيات والخدمات أم غياب حوار؟

وهيبة سليماني
  • 1475
  • 1
عنف المستشفيات العمومية.. نقص الإمكانيات والخدمات أم غياب حوار؟
ح.م

قال الكاتب السوري محمد الماغوط: “لا أعرف الحكمة من وجود البنج في المستشفيات العربية.. فنحن بالأساس شعب مخدر!”.. لكن رغم وجود البنج في مستشفياتنا لم يخدر الغاضبون والمحتجون ضد الطواقم الطبية!.. هستيريا الغضب في المؤسسات الاستشفائية في الجزائر والاعتداءات المتكررة داخلها على الأطباء والمديرين والموظفين تؤكد أننا لسنا شعبا مخدرا إلى درجة السكوت عن نقائص وعيوب باتت تتميز بها المستشفيات العمومية، وفي المقابل فإن حالة التخدير أو حالة الغضب كلاهما صورة لعملة واحدة عنوانها “انعدام الحوار”.

أرقام مخيفة حول الاعتداءات في المستشفيات

تشير أرقام وزارة الصحة حول العنف في المستشفيات العمومية، بداية 2019، إلى تسجيل 1922 اعتداء جسدي، و27909 اعتداء لفظي، حيث تم إحصاء 626 شكوى قضائية ضد أشخاص مارسوا العنف على الطواقم الطبية.

وكانت مديرية الصحة لولاية الجزائر خلال 2016، قد كشفت في تقرير لها، عن تسجيل 3500 اعتداء لفظي وجسدي، في عدد من المراكز الاستشفائية، ووقعت هذه الاعتداءات في الغالب في مصالح الاستعجالات.

وحذرت في السياق، النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية، ونقابة شبه الطبي، من خطورة تفاقم ظاهرة الاعتداءات في المستشفيات العمومية، حيث وصفت هذا العنف بحرب عصابات تكون مسلحة في بعض الأحيان، وتعتدي على الأطباء وموظفي القطاع الصحي العمومي.

وقال رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية، إلياس مرابط، إن الطبيب والممرض على حد سواء أصبحا عرضة للضرب والجرح داخل المصالح الطبية، مشيرا إلى أن نقابته تلقت عدة شكاوى من موظفي المستشفيات العمومية، في مقدمتهم الأطباء والممرضون.

وندد مرابط بالظاهرة التي اعتبرها اجتماعية، قائلا إن وزارة الصحة لا تزال تقدم وعودا ولم تجسدها حيث تبقى المستشفيات مهددة يوميا بالعنف والاعتداءات على موظفيها.

مطالب مستعجلة لحماية الأطباء!

وأوضح اليأس مرابط، رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية، أن الأطباء والممرضين يعملون في ظروف سيئة نتيجة قلة الوسائل المادية والبشرية، حيث إن موظفي القطاع الصحي العمومي حسبه، يعتدى عليهم لفظيا أو جسديا، عندما لا يستطيعون إسعاف المريض، لقلة الإمكانيات.

وأكد أن موظفي المستشفيات العمومية يعملون في ضغط رهيب حيث إن المرضى وأهاليهم يعتدون عليهم بعد إصابة هؤلاء بحالة هستيريا.

كما طالب رئيس النقابة الوطنية للممارسين الأخصائيين للصحة العمومية، محمد يوسفي، بالتسريع في تزويد المستشفيات العمومية بالكاميرات وأعوان الأمن بحل استعجالي لا بد منه خاصة في الوقت الراهن، وتحقيق الإجراءات الوقائية التي تحدث عنها وزير الصحة محمد ميراوي مؤخرا، التي تتعلق بتعزيز وحدات الاستعجالات لأعوان الأمن، وتوفير أجهزة المراقبة، وتكوين أعوان الأمن، وإجبار الإدارة على التأسس كطرف مدني بعد رفع شكاوى أمام الجهات القضائية.

قطاع صحي متهرئ ومرضى بعقلية “البايلك”!

وقال يوسفي، إن القطاع الصحي العمومي، يعيش وضعية مزرية، أنتجتها سنوات من التسيب واللامبالاة، معتبرا أن مصلحتا الاستعجالات والولادة الأكثر عرضة للعنف في المؤسسات الاستشفائية، حيث إن 90 بالمائة من الاعتداءات اللفظية والجسدية يتسبب فيها أشخاص يرافقون المريض أو المريضة، وهم أحيانا مجرد أصدقاء أو جيران.

وأرجع سبب الاعتداءات إلى الضغط الذي يعاني منه القطاع الصحي العمومي، في ظل نقص الوسائل، وتعامل موظفيه والمرضى بعقلية “البايلك”، أي إن الجزائري لديه تفكير خاص وتعامل مختلف مع القطاعين الصحيين الخاص والعمومي رغم التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

وفي هذا السياق، ترى رئيسة مصلحة الاستعجالات بالمركز الاستشفائي بوشنافة للصحة الجوارية بسيدي امحمد بالعاصمة، لامية ياسف، أن هذه المصالح تستقبل المريض وعائلته وهم في حالة هيجان، وهستريا من القلق، ويستقبلهم الطبيب وهم في هذه الحالة وسط محيط غير ملائم، تنقصه الوسائل والإمكانيات المادية والبشرية، وهنا يصبح الخطر يحدق حسبها بالطاقم الطبي.

ويرجع رئيس جمعية حماية وإرشاد المستهلك، مصطفى زبدي، أسباب زيادة العنف بشكل رهيب في المستشفيات إلى المنظومة الصحية السيئة التي ألقت حسبه، بظلالها على عدة مجالات في السلك الطبي، واعتبر نقص الوسائل وسوء التنظيم أكثر ما يواجهه القطاع الصحي العمومي.

وأكد زبدي أن الوضع الكارثي للمستشفيات ترك الكثير من الأطباء عاجزين عن أداء مهامهم، حيث إن بعض التجمعات السكنية، حسبه، تضم 2000 مسكن، ولا توجد به وحدات استعجالية مما يضطر المريض إلى قطع 10كلم أحيانا ليجد وحدة استعجالات طبية.

وقال: “نحن لا نزكي أي اعتداء على الطبيب، لكن الوضع لا يشجع على بقاء تلك العلاقة المقدسة بين الطبيب والمريض”.

وتأسف رئيس مصلحة أمراض القلب والشرايين بمستشفى نفيسة حمود “بارني” بحسين داي، البروفسور جمال الدين نيبوش، من ضغط أسر المرضى على الطواقم الطبية في المستشفيات خاصة في مصلحتي الولادة والاستعجالات، وهذا في ظل نقص الإمكانيات والأجهزة الطبية، وقال إن الغرباء الذين يرافقون المريض أحيانا، هم من يثيرون البلبلة ويعنفون الأطباء والممرضين، وحتى أعوان الأمن.

وفي ذات الصدد، قالت الباحثة في علم الاجتماع، الدكتورة ثريا التيجاني، إن الجزائريين عندما يدخلون المستشفيات العمومية يحملون معهم عقلية التعامل مع مؤسسة “البايلك”، ويرون في موظفيها كأنهم خدم يؤمرون ويلبون الطلبات، حيث ترى أي شيء بالمجان ينطبق عليه المثل القائل: “بلاش ما يحلاش”، فرغم أن الكثير من العيادات الخاصة تطلب مبالغ مالية وحالها أسوأ من القطاع الصحي العمومي، إلا أن المرضى وأهاليهم لا يغضبون عليها ولا يمارسون العنف الذي يمارس في المستشفيات العمومية.

وأوضحت التيجاني أن بعض موظفي القطاع الصحي العمومي، يتعاملون بالمثل، أي إنهم لا يلتزمون بأخلاقيات المهنة، لأن لديهم عقلية “البايلك”، وهي عقلية ترسخت في سلوكات عمال وموظفي القطاع العمومي.

تجريم عنف المستشفيات… هل يحل المشكل؟

وفي ظل هذا الوضع المتهرئ والمتردي لمؤسسات القطاع العمومي الصحي، والتعامل العنيف واللاأخلاقي مع الأطباء والممرضين، دعا رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي، البروفسور مصطفى خياطي، وزارة الصحة إلى تجريم العنف على المستشفيات العمومية، والسير على خطى الكثير من البلدان العربية مثل السعودية، وقال إن على الحكومة الجزائرية أن تصدر قانونا صارما يجرم ضرب الطبيب أو الممرض على غرار تجريم الاعتداء على الشرطة وموظفي سلك الأمن.

وأكد أن النقاش حول تجريم العنف في المستشفيات طرح عام 1971 عندما اعتدي على طبيب في مصلحة الاستعجالات بمستشفى بارني بحسين داي، موضحا أن وزارة الصحة تفكر في تقديم قانون لردع العنف في المستشفيات، وعليها أن تسرع حسب خياطي، في تفعيل هذا القانون.

ومن جهته، أكد رئيس مصلحة أمراض القلب والشرايين بمستشفى نفيسة حمود “بارني” بحسين داي، البروفسور جمال الدين نيبوش، على ضرورة حماية الطبيب وحفظ حقوقه، قائلا: “إن عنف المستشفيات ظاهرة مؤسفة وخطيرة تحتاج إلى الردع.. الأطباء والممرضون غير محميين”.

وفي هذا السياق، أكد مؤخرا وزير الصحة محمد ميراوي، على ضرورة تأسس إدارة المستشفى كطرف مدني عندما ترفع شكاوى قضائية ضد ممارسي العنف على الأطباء والممرضين.

معالجة لب العلة تبدأ بالحوار

ولكن رغم معاقبة أشخاص مارسوا العنف في المستشفيات مؤخرا واعتدوا على أطباء وممرضين ومديري هذه المؤسسات العمومية، إلا أن الظاهرة في تفاقم مستمر، حيث إنه رغم التدابير التي تحدثت عنها وزارة الصحة لمواجهة عنف المستشفيات، إلا أن الكثير من المختصين يطالبون باللجوء إلى سياسة التعامل والحوار بين المرضى وموظفي القطاع الصحي العمومي، للتقليل من حدة النقائص وتأثيرها على الطرفين ومحيط إسعاف وعلاج المريض.

وأكدت الباحثة في علم الاجتماع، ثريا التيجاني، أن 80 بالمائة من أسباب حالة الهيجان والهستيريا للمرضى ومرافقيهم إلى المستشفيات، تعود لسوء المعاملة وانعدام الحوار بين الطبيب والمريض وعائلته، وقالت إن غياب الحوار يأتي في الدرجة الأولى في ما يخص الأسباب المؤدية إلى زيادة ظاهرة الاعتداء على الأطباء والممرضين.

وهذا حسبها لا يعني أن نقص الإمكانيات والخدمات، ليس لديه تأثير، لكن أخلاقيات المهنة والعمل بها والتحلي بالسلوكات المناسبة في التحاور مع المرضى، والتقليل من المهم، عامل جيد لمعالجة الظاهرة.

وأرجعت تفاقم عنف المستشفيات مؤخرا، إلى تراكمات غياب الحوار خلال سنوات مضت، وإلى حالة من الفوضى في التفكير والتعاملات اليومية، وإلى الخوف الذي يعيشه الجزائريون حول مصير البلاد، خاصة أن أغلبهم يعيشون على أعصابهم.

ومن جهتها، أكدت رئيسة مصلحة الاستعجالات بالمركز الاستشفائي بوشنافة للصحة الجوارية بسيدي امحمد بالعاصمة، لامية ياسف، أن المريض عندما يدخل هذه المصالح يكون في حالة هيجان تخلق له مرضا جديدا، أو قد تضاعف من أعراض مرضه، وفي هذه الحالة يحتاج الطبيب إلى تكوين جيد لمواجهة مثل هذه الحالات، حيث طالبت بتكوين الأطباء في الجانب السوسيولوجي مع إضافة مادة فنيات الحوار خلال دراستهم في الجامعة.

وقال مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي، إن تكوين الطبيب سوسيولوجيا حول كيفية استقبال المريض وعائلته، من أهم الطرق الأكاديمية لفتح الحوار وتعزيزه في المستشفيات.

ويرى رئيس مصلحة أمراض القلب والشرايين بمستشفى نفيسة حمود “بارني” بحسين داي، البروفسور جمال الدين نيبوش، أنه من الضروري الآن فتح مكاتب داخل المستشفيات لحوار المرضى وعائلاتهم، مع تكوين موظفي هذه المكاتب حول فنيات الحوار، وعلم النفس، مع تنظيم دورات تكوينية حول الحوار لكل موظفي القطاع العمومي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • محمد تلمسان

    انا والدي اصيب بجلطة دماغية ولما ذهبت للمستشفى لا يوجد لا scanner ولا irm واليوم كان جمعة اذن العنف شئ بسيط مقارنة بما يقومون به في المستشفيات