-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عن إصلاح المنظومة التربوية و”ل م د”

غازي عثمانين
  • 1204
  • 0
عن إصلاح المنظومة التربوية و”ل م د”

تشهد الجزائر هذه الأيّام جدلا جديدا حول الدراسة والتعليم في الأطوار الأربع: الابتدائي والمتوسط والثانوي والجامعي. وقد عرفت المنظومة التربوية أكثر من إصلاح منذ الاستقلال.

وقبل أن نبدأ بالحديث عن هذه الإصلاحات دعونا نرجع إلى سنوات خلت حتى نفهم ما يقع الآن.

بدأت مشاكل المنظومة التربوية تطفو على السطح مع ما يسمى لجنة إصلاحات بن زاغو التي كان يترأسها في البداية المرحوم البروفيسور عبد الرحمن حاج صالح صاحب مشروع “الذخيرة اللغوية” العربية ثم أزيح منها لأسباب متعددة، ليتولى رئاستَها فيما بعد بن زاغو، وصاحب هذه اللجنة وراء تعيين بن غبريط على رأس وزارة التربية ليكتمل مشرع هدم ما اكتسبته المدرسة الأساسية، وكنا نسمع ونقرأ عن الخرجات الغريبة للوزيرة بن غبريط رمعون آنذاك، منها على سبيل المثال لا الحصر الاختيار بين الأمازيغية والتربية الإسلامية وكأن الأمازيغية دينٌ أو عقيدة وهذا للوصول إلى حذف مادة التربية الإسلامية. وكانت بن غبريط تطلق أجندتها وأفكارها العجيبة على شكل بالونات تجارب تطلقها من حين لآخر وتنتظر ردود الأفعال.

ثم جاءت مرحلة ما بعد إصلاحات بن زاغو، إذ حاول الوافدون الجدد على قطاع التربية تطبيق بقيّة إصلاحاته، وكان يشوبها الارتجال والسرعة، ووصلت بهم الوقاحة إلى أن يتجرؤوا ويجعلوا الصلاة والبسملة من معوقات الذكاء التربوي.
والآن وبعد مرور سنوات على إصلاحات بن زاغو تعلو على السطح قضية امتحان “السانكيام” هل يبقى أم يُلغى؟ وأعتقد أن السيد وزير التربية اتخذ القرار وأتمنى أن يكون نهائيا وهو الإلغاء، وكان ذلك يوم 18 نوفمبر 2021، إذ تقرر رسميا إلغاء امتحان نهاية مرحلة التعليم الابتدائي “السانكيام”، ابتداءً من السنة الدراسية2021- 2022، وذلك لحماية التلاميذ من الضغوط النفسية التي كانت تحيط بهم وتعويض هذا الامتحان بامتحان آخر كما قال لن يكون له طابع وطني، وأن الانتقال إلى السنة الأولى متوسط سيكون عن طريق النظام التقييمي المعمول به في بلدان عديدة.

كل هذه الإصلاحات الارتجالية والإستعجالية التي سبق ذكرُها كانت لغرض واحد وهو إخراج المدرسة الأساسية من محتواها. وكان صدور أمرية 16 أفريل 1976 للرد على كل الشكوك وحملات التضليل المغرضة على عملية التعريب التي كانت قد بدأت سنة 1967 والتي جاءت بعد مخاض طويل وأوقفت الصراع الدائر آنذاك بين دعاة التعريب والمتمسِّكين باللغة الفرنسية. وعملا بهده الأمرية وتعميمها بعد تعديلها وإدخال عليها بعض الإصلاحات كإلزامية التعليم لجميع الأطفال من 6 إلى 16 سنة ومجانيته لمدة تسع سنوات كاملة، ظهر ميلاد ما أطلق عليه “المدرسة الأساسية” بحيث تحافظ في الوقت نفسه على الأصالة وهي ضرورة المعرفة والفهم لثقافتنا العربية والإسلام والمعاصرة، مع دراسة العلوم والتكنولوجيا وثقافة الغير من لغة وتاريخ… والأهمّ من هذا كله هو أنّ الطفل لا يُترك خلال هذه السنوات للإهمال والتعرّض للإصابات الصحية والنفسية، وعدم تلبية احتياجاته الأساسية من صحة وعاطفة.

وبعد إتمام التسع سنوات يتوج التلميذ في الأخير بشهادة التعليم الأساسي. وحسب نتائج امتحان هذه الشهادة يستطيع الطفل إما مواصلة دراسته في الثانوي ومن ثمّ الجامعي أو يسجل نفسه في معهد للتكوين المهني. وشُرع في تطبيق هذا المرحلة في السنة الدراسية 1980-1981.

للتذكير تشمل المدرسة الأساسية أربع مستويات التعليم التحضيري، والتعليم الأساسي، والتعليم الثانوي والتعليم العالي. للعلم فقط، الأشخاص الذين تولوا هذه المسؤولية أدخلوا في هذه المنظومة التعليم التحضيري وهو أن الطفل قبل أن يبدأ سنته الأولى ابتدائي يدخل القسم التحضيري.

التعليم الجامعي وقضية “ل م د”

هذه الكلمة المكوّنة من ثلاثة حروف والمعروفة بـ”ليسانس، ماستر، دكتوراه”، أثارت جدلا كبيرا وأسالت حبرا كثيرا ولا زالت محل تجاذب وردود أفعال مختلفة، وقد خلقت هذه المنظومة مشاكل عديدة وأسئلة كثيرة وقد يكون “نظام ل م د” كنظام في حد ذاته مهما ومتطورا، له إيجابيات كما له سلبيات كأي نظام تعليمي. صحيح أنه يطبَّق في عدد من البلدان الأوروبية وبعض البلدان الأخرى. وقد بدأ يطبَّق في بلادنا بعد مخاض عسير سنة 2004. ومن بين الأهداف التي ينشدها نذكر منها الأهم وهو التكيُّف مع الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد وإعطاء الطالب وقتا أطول للبحث والمطالعة، والأهم من ذلك انفتاح الجامعة الجزائرية على العالم وتشجيع التعاون مع الجامعات الدولية وأن تكون شهاداته الثلاثة معترفا بها دوليا.

لكن تطبيقه في بلادنا لا زال صعبا وسلبياته كثيرة ومنها عدم وجود مختبرات عادية تكفي لمتابعة البرنامج البيداغوجي للطالب، أما مختبرات البحث العلمي، إن وُجدت، فهي تفتقر إلى أجهزة ومعدّات علمية ذات جودة عالية. كذلك قلة المؤسسات الصناعية والاقتصادية في البلاد وإن وجدت فالعلاقة بينها والمؤسسة الجامعية منعدمة تقريبا، أضف إلى ذلك أن شهادات الماستر تختلف من جامعة إلى أخرى في الجزائر فما بالك بين جامعاتنا والجامعات الأجنبية. وفعلا كثير من طلبتنا حاملي شهادات الماستر2 التحقوا بالجامعات الأجنبية ولم يعترفوا بهذه الشهادة، فكان لزاما عليهم أن يعيدوا هذه الشهادة، ومن ناحية أخرى قضية تصنيف الشهادات عند الوظيف العمومي ثم إن بعض المنشآت الصناعية لا تعترف بشهادة المستر أو حتى اللسانس وتطلب للتشغيل أصحاب شهادات المهندس أو التقني السامي. وبعد أكثر من 20 سنة من تطبيق هذا النظام لا زالت الجهات المعنية تصدر قرارات ارتجالية غير مدروسة ثم تلغيها، مثال على ذلك كان الالتحاق بالماستر مباشرة بعد الحصول على شهادة الليسانس، وأعتقد أنه نظرا للعدد الهائل من الطلبة ظهر قرار آخر وهو أن الالتحاق بالماستر يكون عن طريق مسابقة على أساس شّهادة الليسانس وتوفير الأماكن البيداغوجية ثم ألغي هذا القرار خوفا من أي احتجاج يصدر عن الطلبة وحل محله القرار السابق وهو الدخول إلى الماستر دون مسابقة، باختصار إننا نعيش الرداءة.

وفي الأخير يجب علينا أن نعترف بأخطائنا ونصححها وأي إصلاح لا تتوفر فيه الشروط والظروف المادية والبشرية لنجاحه يكون مآله الفشل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!