-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

غالي.. والدينار رخيص!

عمار يزلي
  • 2110
  • 0
غالي.. والدينار رخيص!

الدينار، الجزائري، منذ أن نزع عنه غطاء سعر النفط، انحدر إلى الحضيض، مما جعل الرهانات كلها، سياسية كانت أم اقتصادية، تذهب في اتجاه إنعاش الاقتصاد المحلي والتوقف عن سياسة “الاستوراد” التي هلكت خزائن الدول ونشرت كل أشكال أمراض الاستهلاك المرَضي والعرضي في صفوف الشعب المفتوحة أعينه وبطونه على مغريات المنتجات الأجنبية بسعر منخفض لا يصدقه العقل. حدث هذا مع الهرولة نحو استيراد المنتجات الأجنبية كلها من الإبرة إلى الطائرة، ومن العلك إلى الكسكس! منتجات غير مضمونة الرقابة، مما جعل منتجات الصين بشكل خاص، تتحول إلى كابوس يطارد المستهلك الجزائري! ليس هذا، لأن منتجات الصين غير صالحة أو مغشوشة، بل لأن مستوردينا “الوطنيين جدا”، والذين أوكلت لهم مهمة “توكيل وإيكال” الجزائريين، هم من أفسدوا البضاعة الصينية والماركة الصينية والصناع الصينيين، الذين يطلب منهم المستورد ما يريد فيصنعون له من مواصفات المادة الواحدة ما يريد، بشرط واحد يقول المنتجون الصينيون للمستوردين الجزائريين: أنتم تحددون النوعية، نحو نحدد السعر، أنتم تحددون السعر، نحن نحدد النوعية! هذا هو قانون التعامل بين المستورد الجزائري والمصنًع الصيني! لأن الرقابة لم تكن موجودة ولا حتى اليوم فيما يبدو! خاصة مع انتشار الفساد حتى في الجمارك! الجمارك الذين يسمون بالديوانة! التي تعني: “أدي… وأنا”! أدي أنت حقك وأنا أنا ندي معك حقي!.. دي دي واه!!

أزمة الدينار، هي أزمة سياسية قبل أن تولد اقتصاديا، ففي نظامنا السياسي، لازال “الاقتصاد السياسي” هو السائد، كما كان الشأن في الأنظمة الاشتراكية التي يسيطر فيها السياسي على التنفس.. والتغوط.. أيضا! ولأن اقتصادنا عاش لعقود على السياسة وعلى دعم السياسة للاقتصاد، فلما ذهب ماء النفط مع سعره المنفوط، وحضر التيمم، لم تجد السلطة أمامها إلا لغة الاقتصاد بلا سياسة، فلم تجد لا اقتصادا ولا سياسة! الكل ذهب أدراج الرياح، وتهاوى الدينار وارتفعت أسعار العملات الأجنبية في بورصة السكوار كما لم ترتفع من قبل، حتى وصل الأورو الواحد إلى 20 دينارا! هذا ما جعل النظام الاقتصادي الذي أوكل إلى جماعة حداد عبر وزارة بوشوارب، يبرم شواربه ويعزز قدراته التنافسية والتفاوضية سياسيا واقتصاديا من خلال مجموعة من المقترحات ستكون حتما في قلب الأزمة: أولها هي تسقيف السلع المستوردة والعودة إلى العمل بالرخص: أي لا نستورد إلا الضروري غير المنتج أو غير الكافي محليا! ننتج محليا من أجل الوفرة والاكتفاء، ثم من أجل التصدير.

لكن هذا، يتطلب وقتا، والإقبال على شراء المنتجات المحلية يجب أن تتوفر فيها التنافسية والمواصفات العالمية. معنى هذا أن السعر سيكون على المحك! فمن يشتري منا، يطلب أن تكون السلع مضمونة المواصفات الدولية وسعرها تنافسيا! لكن هل نستطيع نحن بتكنولوجيتنا وقدراتنا الحالية صناعة منتوج عالمي المواصفات رخيص السعر؟ لا أظن!..هذا ليس من بعض الظن، فلا إثم علي!

لهذا، فيما يبدو، كان على زمرة الأوليغارشيا أن تغرق السوق بالأوراق النقدية من العملات الأجنبية من أجل القضاء على السوق الموازية للعملة الصعبة، لكي ترغم أرباب عمل العملات في السكوار والمدينة الجديدة ورحبة الجمال على الخسارة، التي سيخسر معها أصحاب العملية الكاميكاز هذه، لكنهم يتصورون أنهم سيربحون بعدها أكثر مما كانوا سيخسرون لو استمر الوضع على ما هو عليه. إذن، سيجبر تجار العملة في السوق الموازية على التعامل مع البنوك بهامش ربح بسيط يسمح للدينار أن يتنفس ويوقف تدحرجه السريع نحو الهاوية. هكذا، يرى أصحاب هذه “السياسة” المالية. فهم يتوقعون أن يعرف الدينار انتعاشا ثنائيا من خلال الإقبال عليه عندما سنشرع في التصدير في المجالين الفلاحي والصناعي وحتى الخدماتي (السياحة)، ثم من خلال تقليص الهوة بين السعر الرسمي للعملات وسعرها في السوق الموازية. كما أن تقليص الاستيراد سيقلص الهرولة نحو شراء العملات الصعبة من بورصة السكوار، فيما يرونه! وهذه كلها تكهنات وسيناريوهات مرسومة قد تنجح وقد تفشل، لأن قيمة العملة الوطنية منوطة بتطور الاقتصاد والتصدير وليس من خلال عملية ضخ وإغراق السوق بعملات أجنبية لخفض قيمتها أمام الدينار. فهذه العملية محفوفة بالمخاطر، لأنها مقامرة إن لم نسرع إلى تطوير اقتصادنا الوطني وإدخال العملية السياسية في مربع جديد مبني على قيمة العمل وعلى الشفافية وعلى ديمقراطية القرار والتنفيذ والتداول السلمي على السلطة.

نمت على هذا الهوس من عملية رفع قيمة العملة الوطنية، لأجد نفسي أحضر منافسة بين الأورو والدولار من جهة، والدينار الجزائري من جهة أخرى!

يدخل الدولار في شكل كاوبوي، على حصان هندي وسط ملعب بعرض رئاسة الجمهورية وهو يقول بلكنة إنجليزية أمريكية: أنا هو الويسترن دولار، الذي لا يعادلني أورو ولا دينار! أنا من خضع العالم للونه الأخضر، أنا ابن التكساس وميشيغن.. فمن المبارز؟

عندها يخرج فارس على بغل من بغال الفلاحة الأوروبية، يزن نحو طن وهو يقول بلغة فرنسية إيطالية: أنا هو الأورو.. يا أصحاب الدورو وعرب المورو..! الواحد منا يسوى 20 من البورورو..! أنا نشري منكم عشرين.. مشويين ومقشرين..! وين راك يا العربي أكحل الراس؟ يا جزائري بوعرورو!

عندها يدخل الدينار الجزائري في شكل عربي بلسان بربري، على حمار العودات، سبيبه كسبيب نجمات هوليوود نتاع اليهود! على رأسه شاش، ولباسه جلابة صوف وبرنوس وبر وصباط “بوانتير 55” وهو يستل هراوة مزوقة بالدينار: شكون فيكم يشرك فمه ويجي اليوم يناقرني يا قرون الشياطين، يا وجوه السراقين، يا حقارين العرب، يا محتلين يا وجوه الأنجليز والمعيز؟! أنا ما نسواش أنا؟ أنا هو اللي نشري يمات يماكم بزوج، تطلعوا وإلا تهبطوا.. نبيع ونشري فيكم بلا أماتكم! نشريكم بعشرين بصح ما تسوواش قدامنا زوج حبات بطاطا مقشرين! أنتم الرخاس يا وجوع المساخ والفساخ! واللي قرب مني نقلع له جده مع جلده! حماري خير من المخير فيكم! وريهم يا غوركوف الحمار!

ويبدأ الحمار بالركل والعض والرفس والعفس، ما أنجى صاحب البغل الفرنسي وصاحب الحصان الهندي سوى الركض خارج الملعب وسط الغبرة وتصفيق الجمهور الدولي!

وأفيق وقد ضربني حمار الليل! عوض أن أفتح باب بيت الماء، فتحت الثلاجة.. وكدت أن…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!