-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

غزة تكشف واقع ومستقبل العرب

عابد شارف
  • 4175
  • 0
غزة تكشف واقع ومستقبل العرب

تلعب القضية الفلسطينية عادة دور »البارومتر« الذي يسمح لنا بالتعرف على وضع العالم العربي. ولما يتأزم الوضع في الشرق الأوسط، أو تنشب حرب في المنطقة، تتحول فلسطين إلى مرآة تعطينا صورة واقعية للعالم العربي، صورة لا نريد في بعض الأحيان أن نراها، لأن ما نراه يزعجنا ويقلقنا، ولا نريد التعرف عليه ولا حتى الاقتراب منه، لأنه يؤكد لنا أن العالم العربي ضيع جزءاً كبيراً من قدرته على التأثير في تاريخه وأصبح عاجزا على تحديد مصيره بنفسه.

  • ولم تخرج مأساة غزة عن هذه القاعدة، وأعطتنا صورة قاسية عن واقع العالم العربي. وأكدت هذه المحنة ما يتميز به هذا العالم في عدد من الميادين، نركز على اثنين منها بصفة خاصة: ضعفه السياسي، حيث أن العالم العربي أصبح غير موجود على الساحة الدولية، ومصيره المجهول، لأن الآفاق السياسية تبدو مغلقة ويمكن أن تأخذ أي اتجاه.
  • وعن الوضع الحالي، فإن الصورة كانت هذه المرة أوضح من الماضي بكثير، حيث لم توفر الأحداث فرصة للتحايل والوعود الكاذبة. فبعد ثلاثة أسابيع من العدوان الإسرائيلي على غزة، لم تستطع البلدان العربية أن تعقد قمة، ولم تتمكن من إصدار أي تصريح مشترك مقبول، ولم تقم بأية مبادرة يمكن أن تؤثر على مجريات الأحداث. ويبدو أن العالم العربي أصبح يقبل هذا الواقع، ويقبل أنه خرج من التاريخ، ولا حول ولا قوة له للتأثير على مصيره. وفي أحسن الأحوال، تكتفي البلدان العربية بجمع الدواء والأكل وهي تعرف أنها لن تصل إلى غزة قبل نهاية المحنة. وتكرمت بعض البلدان على شعوبها فسمحت لها بالتظاهر، بينما قررت بعض البلدان الأخرى تحريم المظاهرات قانونا أو شرعا
  • أما من الجانب الرسمي العربي، فإن أبرز التحركات والمبادرات هي تلك التي كانت تدعو منظمة حماس إلى الاستسلام أو الانتحار. وجاءت مبادرات مصر والسلطة الفلسطينية لتطلب من حماس أن تقبل شروطا لا تختلف جذريا عن الشروط الإسرائيلية، بل إنها كانت أخطر لأنها جاءت من الإخوة والأصدقاء رغم أنها تحمل مطالب العدو… وقد كانت ضغوط مصر والسلطة الفلسطينية على حماس أقوى من ضغوطهم على إسرائيل. ويجب أن نعترف أن مصر والسلطة الفلسطينية دخلتا عهدا جديدا حيث أنهما لا تخفيان تبعيتهما لأمريكا وتعملان صراحة وعلنا من أجل هزيمة حماس…
  • هذا العجز التام للبلدان العربية جاء نتيجة لديناميكية سلبية بدأت منذ سنين طويلة، وأدت إلى القضاء على كل شرعية يمكن أن تتغنّى بها الأنظمة الحالية. وتراكمت الأسباب التي أدت إلى العجز، من فشل سياسي إلى فشل اقتصادي، إضافة إلى القمع ونكران الحريات وانسداد الأفق. وفي نهاية المطاف أصبحت هذه البلدان تتميز بانعدام أي مشروع سياسي معقول وغياب كل آفاق للمستقبل. وضيعت الأنظمة الحاكمة الحد الأدنى الذي يمكن أن تبرر به بقاءها، حيث أنها أصبحت عاجزة عن ضمان الأمن والاستقرار رغم ادعائها أن أكبر أهدافها هو ضمان الأمن. وتدهور الوضع إلى أن أصبحت هذه الأنظمة تشكل بدورها تهديدا على الأمن والاستقرار.
  • هذا الوضع أصبح يرهن المستقبل. وضيعت البلدان العربية زمام الأمور للتحكم في تاريخها وفي مستقبلها مثلما أكدت ذلك مأساة غزة. ومن العروف أن كثيرا من الأنظمة العربية تبرر بقاءها بضرورة التصدي للأنظمة الشمولية، لكنها في الواقع جعلت من التيارات المتطرفة البديل الوحيد الموجود على الساحة. وقد قضت الأنظمة على النخبة العصرية، سواء بإجبارها على الهجرة أو السكوت، أو أعطتها رشوة لتدمجها في صفوف النظام. وانهارت التيارات الوطنية المتفتحة مثل جبهة التحرير الوطني في الجزائر وحركة »فتح« في فلسطين، لتترك المجال لتيارات راديكالية وأخرى عدمية.
  • وحتى في الجيش، فقد انتهى عهد الضباط الذين عايشوا الشعب، وشاركوا في المقاومة، وكانوا يتميزون بميولهم إلى الشعب وطموحاته. عكس ذلك، برزت نخبة عسكرية جديدة تكونت في المدارس العسكرية التقليدية، وهي نخبة تؤمن بالأمن والاستقرار وحماية النظام، من أمثال خالد نزار ومحمد دحلان وزين العابدين بن علي وغيرهم.
  • وفي الجزائر مثل باقي الدول العربية، تراجع دور النخبة التي تقدم خطابا عقلانيا، تلك النخبة التي تريد بناء مؤسسات وتقاليد دولة. في نفس الوقت، عجزت السلطة عن تقديم ما يلبي طموحات الجماهير العريضة. ومن الواضح أن مثل هذا الوضع يفتح مجالا للنخبة الشعبوية أو العدمية، تلك التي تنادي إلى تغيير النظام مهما كان الثمن، لتقدم وعودا خيالية بغرض الوصول إلى السلطة. وأصبح هذا الخيار مطروحا اليوم وبجدية في العالم العربي
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!