الرأي

غير‮ ‬هاك

لأخينا مصطفى الممثل الفكاهي الوهراني لازمة يرددها في جميع تمثيلياته، فيخفف عنّا بها وبلهجته الوهرانية المحبّبة بعض الهم الذي نعانيه، ويزيل عنّا بعض الغم الذي يكبت على صدورنا مما نراه ونسمعه من تصرفات سيئة، وسلوكات هجينة، خاصة من بعض من يعدّون أنفلسهم لم يخلق مثلهم في البلاد وهم من أسوإ من عليها، كبعض أولئك “النواب” الذين هم أقرب إلى “النوائب” منهم إلى النواب، حتى إن بعضهم كادوا يتّخذون من قاعة المجلس حلبة للملاكمة، وبعضهم اعتدوا على مواطنين، وبعضهم أغلق أحد المنافذ الذي يستخدمه الناس.. وما فعلوا ذلك إلا لأن كثيرا منهم جاء إلى هذه الوظيفة الشريفة وإلى هذه المهمة النبيلة بطرق خسيسة، وبوسائل دنيئة يترفع بعض السّوقة عن سلوكها، ولو كانوا نوابا على الحقيقة لكانوا حماة للمواطنين الذين يزعمون أنهم يمثلونهم.

إنا أخانا مصطفى يعني بـ”لازمته غير هاك” أن الأمور في بلدنا الغالي الذي أرخصه بعضنا، وفي وطننا العزيز الذي أذلّه بعضنا تسير حسب تعبيرنا الشعبي “كعور واعط للعور” أو حسب التعبير الاخر “طبّع برك”…

لازمة أخينا مصطفى قفزت أمس إلى ذهني، وأنا أقرأ كلاما منسوبا لأخينا عبد المالك سلال، أراد أن “يتسلل” به إلى قلوبنا؛ هذا الكلام الذي يسبب الضغط، ويجلب السكري هو أننا ــ أي حكومته ــ “أنجزنا في ظرف ثمانية أشهر مالم تستطع الحكومة السابقة إنجازه في خمس سنوات”. ‮(‬جريدة‮ ‬اليوم‮ ‬26‮ ‬‭/‬‮ ‬6‮ ‬‭/‬‮ ‬2013‮ ‬ص3‮).. ‬وإن‮ ‬كانت‮ ‬الجريدة‮ ‬نفسها،‮ ‬وعلى‮ ‬طريقة‮ “‬غير‮ ‬هاك‮”‬،‮ ‬ذكرت‮ ‬أن‮ ‬كلام‮ ‬سلال‮ ‬يوجد‮ ‬في‮ ‬ص‮ ‬24‮.‬

إن‮ ‬كلام‮ ‬أخينا‮ ‬سلال‮ ‬يدل‮ ‬على‮ ‬عدة‮ ‬احتمالات،‮ ‬منها‮:‬

❊ إن الحكومة السابقة ينطبق عليها المثل العربي القائل: “لعل له عذرا وأنت تلوم”، إذ ربما لم تنجز ما كان مفروضا عليها أن تنجزه، لأنها لم تؤت من الإمكانات البشرية والمالية والآلية ما يمكّنها من إنجاز الذي كان عليها إنجازه، (كان الأخ سلال يتكلم عن مشكل الكهرباء الذي جعل أكثر الجزائريين بسبب انقطاعها في الصائفة الماضية يتصورون مسّ سقر قبل أن يذوقها الذين سيساقون إليها بسبب السرقات، والرشاوى، والظلم والربا، والخمر، والميسر، والفواحش، ونسأل الله ــ اللطيف الرحيم ــ النجاة).

❊ أو أن الحكومة السابقة ــ التي كان أخونا سلال عضوا فيها ــ وُفّر لها كل ما يلزمها من رجال وأموال، ولكنها شغلتها أموالها وأهلوها، وألهاها التكاثر، فضيعت الأمانة، ولكنها لم تسأل لا عما فعلت، ولا عما لم تفعل.. وما دام إخواننا أعضاء الحكومات (بالجمع) السابقة قد ضمنوا عدم المساءلة في الدنيا، فليسمحوا لنا أن نذكّرهم بحديث رسول الله ــ عليه الصلاة والسلام ــ الذي لا نرتاب في أنهم يؤمنون به حتى “أختنا” التي “كانت” تعتبر الصلاة كما، أدّاها جبريل عليه السلام، وعلمها لرسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ إهانة للكرامة البشرية؛ هذا الحديث هو: “إن القتل في سبيل الله يكفّر الذنوب كلها إلا الأمانة”، أو كما قال سيدنا محمد ــ عليه الصلاة والسلام ــ وقد أخبرنا من لا ينطق عن الهوى ــ عليه الصلاة والسلام ــ أن الله ــ عزوجل ــ يأتي يوم القيامة بمن ضيّع أمانة فيُريها له في قعر بئر، فيعرّفها له فيعرفها، فيأمره بالنزول في البئر لإخراج الأمانة، فينزل والنار تشوي كل مليمتر في جسمه من أعلاه إلى أدناه، فيلتقطها ويصعد بها حتى إذا وصل إلى فم البئر سقطت تلك الأمانة، فيعود إلى إخراجها ــ وهكذا عدة مرات، فلتضحكوا قليلا، ولتبكوا كثيرا يا مضيّعي‮ ‬أمانات‮ ‬الله‮ ‬والناس،‮ ‬والأوطان‮..‬‭.‬‮ ‬وقد‮ ‬أمرتم‮ ‬بأدائها،‮ ‬فحسبتم‮ ‬أمر‮ ‬الله‮ ‬ــ‮ ‬عز‮ ‬وجل‮ ‬ــ‮ ‬هيّنا‮ ‬وهو‮ ‬عظيم‮.. ‬وقد‮ ‬نقول‮ ‬له‮ ‬يوم‮ ‬القيامة‮ ‬ــ‮ ‬ارجعنا‮ ‬نعمل‮ ‬صالحا،‮ ‬ونعمل‮ ‬غير‮ ‬الذي‮ ‬كنا‮ ‬نعمل‮..‬

❊ وأما الاحتمال الآخر فهو أن حكومة الأخ سلال أنجزت في 8 أشهر مالم تنجزه الحكومة السابقة في 5 سنوات على طريقة أخينا مصطفى، أي “غير هاك”، وأميل إلى هذا الاحتمال، لأننا قضينا جزءا من الليل السابق لهذا النهار في ظلام دامس فإن لم يكن هذا الاحتمال فأرجح احتمالا آخر هو أقرب إلى “الكرامة” التي يكرم بها الله ــ عزوجل ــ صالح المؤمنين، لأنه لا تفسير لإنجاز في 8 أشهر ما لم ينجز في خمس سنوات إلا أن يكون للذي كلف بالإنجاز “قوى” لا تدركها الأبصار، وبالتالي لا قدرة لأحد على مساءلتها إن كانت هذه “القوى” قد تعلمت عنّا أسلوب‮ “‬غير‮ ‬هاك‮”‬،‮ ‬وأنجزت‮ ‬به‮ ‬ما‮ ‬أنجزت‮.‬

إن كثيرا مما أنجز في هذا الوطن الذي صيّرنا حتى “شقاءه في خطر” كما كتب الراحل مالك حداد؛ قد أنجز بطريقة “غير هاك”، ولهذا لا يحول الحول أو الحولان أو أقل من ذلك حتى تظهر العيوب التي تستوجب فتح ورشة جديدة للتصليح، والله الذي نفسي بيده لقد قضيت يوم الثلاثاء الماضي ثلاث ساعات كاملة من البليدة إلى مدينة الجزائر لأن الطريق “السيار” الذي أنجز بطريقة “غير هاك” يخضع للترقيع في منطقة “الطرق الأربعة”، وأما ملعب 5 جويلية فقد نسيت عدد المرات الذي أعيد فيها تغطية أرضيته بالعشبين “الطبيعي” والآخر..

إن الشيء الذي أفلحنا فيه هو هذا الغرور الذي يسكن أكثرنا حتى عمينا عن رؤية عيوبنا، ومن ذلك ما قالته “أخت” لنا عن الصلاة، وعندما شنّت عليها حملة “فايسبوكية” لم تعترف بذنبها ولم تستغفر له؛ بل راحت تجادل عن نفسها بالباطل، وتقول ــ كما نسبت إليها إحدى الصحف ــ بأنها كانت تظن أن تلك الطريقة مما جاءنا به الـ”بدو” الخليجيون.. رغم أنها ترى بعينيها.. ما حققه الـ”بدو” الخليجيون ــ خاصة بعد زيارتها المدينة المنورة ــ حتى إن كثيرا منهم يعيشون في السّماك، ولا ينزلون إلى الأرض لأن كل شيء متوفر حيث هم، وما ذلك إلا لأنهم لا يعرفون أسلوب “غير هاك”؛ بينما نحن المغرورين يحيط بنا الغش عن أيماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ومن تحت أرجلنا.. حتى وصل هذا الغش إلى شهاداتنا العلمية… مما يؤشر إلى مستقبل أسوإ.. لا قدّر الله.

إن سياسة “غير هاك” هي التي “سوّدت وجوهنا، وشوّهت سمعتنا، وطأطأت رؤوسنا رغم أن الأخ سلال ردد في إحدى كلماته “ما كانش اللّي يهبطنا نيفنا”، ومع ذلك فقد “هبط” هذا النيف خاصة عندما ذهب الأخ بوتفليقة، مرتين ــ وهو يحتل المنصب الأول في بلادنا ــ للعلاج في مستشفى عسكري‮ ‬فرنسي،‮ ‬ثم‮ ‬نقل‮ ‬إلى‮ ‬مركز‮ ‬عسكري‮ ‬فرنسي‮ ‬لإعادة‮ ‬التأهيل‮.. ‬ولا‮ ‬أتكلم‮ ‬عن‮ ‬الصور‮ ‬الأخرى‮…‬

وندعو الله ــ العلي القدير ــ أن يؤتينا رشدنا الذي غاب، ويحيي ضمائرنا التي ماتت، ويحفظ وطننا.. ويقينا كل سوء مما عملته أيدينا، مما يكيده أعداؤنا، وما هو إلا عدوّ واحد صرنا نقبّله كتقبيل أمرىء القيس لمحبوبته كما قيل: “تسعا وتسعين قبلة، وواحدة أخرى وكنت على عجل‮”.‬

مقالات ذات صلة