فتشوا الفرنسيين أيضا!
التكالب الفرنسي على الجزائر وعلى الجزائريين، لم يعد يقتصر على أمنها وعلى شعبها الأعزل، الهارب من النار إلى الرمضاء، برا، بحرا وجوا: حرقا، وفيزة مزورة وطلب لجوء وسياحة للبقاء، بل وصل إلى حد المساس حتى بالمسؤولين السامين في الدولة، وكأن فرنسا الاستعمارية لا تزال ترى فينا جميعا، مجرد خدم لها هنا في هذه الضفة. والخادم، كيفما كان، ولو كان أمينا ومطيعا، يبقى متهما بالغش والسرقة وكل الأفعال المنكرة، لهذا، فهي لا تكترث في مطاراتها أن تهين شرطتُها المسافرين ـ كيفما كانواـ بأن يفتشوهم بدقة ويطلبوا ملفا رغم الملف المعدّ للحصول على الفيزا التي دفعت لأجلها أكثر من مليون سنتيم (وقد لا تحصل عليها ولا تردّ لك دراهمك).
وصل الأمر مؤخرا إلى أن صار وزراؤنا أيضا يفتشون، وهذه ألعن مرحلة وصلنا إليها منذ الاستقلال..
نمتُ على هذا الحقد، لأجد نفسي وقد اختلطت عليّ المواعيد: كأن اليوم العالمي للصحافة هو يوم 1 نوفمبر عيد الثورة، وأنا هو وزير الاتصال وقد خضعت لتفتيش دقيق في مطار أورلي (أكبروا في الجزائر حتى مطار شارل ديغول). قلت لهم: أنا وزير الإعلام وهذا يوم الإعلام والثورة. قالوا لي: لهذا، نفتشك.. ربما تكون سارقا مفتاح مقر تلفزيون”الوطن”، أو تهرّب شيئاً! قلت لهم: هذا هو جزاؤنا، نحن من نلهث لإرضائهم بتعلم لغتكم على حساب العربية، ونطمح في الدارجة التي أوصيتمونا بها خيرا قبل خروجكم.. هذا هو جزاؤنا نحن من ندفع لكم الملايير في السياحة وسفريات مسؤولينا وأعمال رجالنا و”رجال أعمالنا”؟ لم يردوا عليّ وراحوا يفتّشون حتى جيوبي الداخلية، ولما رفضت، أعادوني إلى البلد. ومن هنا، اتصلت برئيس الحكومة الذي اتصل بالعساس الذي اتصل بالحرس الذي اتصل بالكابيني الذي اتصل بالبيت، الذي اتصل بالرئيس، الذي قرر حالا أن يفتش كل فرنسي مهما كان مكانته عملا بحق التعامل بالمثل!
وغدا، كنت أنا من يشرف على التعليمة في المطار، وعُينت لأستقبل وفدا من الوزراء الفرنسيين على رأسهم رئيس الوزراء وبرفقة وفدٍ من رجال الأعمال من الأقدام السود واليهود، قلت لأمن المطار: اليهود ما يدخلوش! البقية فتشوا جدّ والديهم شعرة بشعرة والأقدام السود، لن يدخلوا الجزائر البيضاء، إلا بعد أن يغسلوا “كرعيهم” من الوسخ، ويتوضؤوا ويصلوا ركعتين.. أنزعوا أحذيتهم وأحزمتهم والسراويل إن اقتضى الأمر، رجالنا يفتشون نساءهم، ونساؤنا يفتّشن “رجالهم” لأني أعرفهم: ماهمش رجال!.
في مقرّ إقامتهم، قلت لهم: استعدوا لكي ننقلكم إلى حمّام عربي، قبل أن يستقبلكم الرئيس. أخذتهم للحمام وأخرجناهم منه بفوط الحمام، في ندوة صحفية شبه عرايا!
وأفيق وأنا أضحك من هولاند حتى هو ببشاكير الحمّام!