الرأي

في ذكرى الشيخ الغزالي

قرأتُ الكلمة الطيِّبة التي كتبها الدكتور محمد بوالروايح عن الشيخ محمد الغزالي، المنشورة في هذه الجريدة في العددين الصادرين في يومي 9 و10/3/2021. وقد أكبرتُ وفاءه لأستاذه الشيخ الغزالي، لأن بعض الناس عندما يصيرون “شيئا مذكورا” ينسون فضل “أصحاب السبورة” عليهم، والناسُ معادن، كما قال من بُعِثَ معلما، صلى الله عليه وسلم.

لقد وضع الله – عز وجل – للشيخ الغزالي القَبول، وجعل له وُدًّا، لأنه عمل لدين الله ما الله به عليم، وَسَيُجْزَاهُ الجزاء الأوفى.. ولم يصل الغزالي إلى ما وصل إليه بعلمه فقط، ولكن بمواقفه أيضا؛ إذ لم يخضع لذي سلطان، ولم يركع للأصفر الرنان، وقضى حياته داعيا إلى الحق، مُنَدِّدًا بالقاسطين من الحاكمين، العالين في الأرض، الماشين فيها مَرَحَا، الفَرِحِينَ بما ابتلاهم به الله – عز وجل – الظانين أن ما هم فيه لا يَبِيدُ، وإنهم إن رُدُّوا إلى الله – عز وجل – لوَاِجدُون خيرا مما تركوا، وذلك هو السَّفَهُ المبين، الذي يُبْتَلَى به المغرورون، وسوف يلقون غَيًّا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا. أمرٌ واحد وَدِدْتُ لو أن الدكتور بوالروايح تَجنَّبَهُ، وَلاَ مِرْيَةَ عندي في أنه زَلَّةُ قلم، وهو قوله بأن “الجزائر شرُفت بمقدمه”، أي بمقدم الشيخ الغزالي، وما أراه إلا متشرِّفا بذلك، سعيدا به.

إن الذي أؤمن به هو أن الجزائر لم تتشرَّف بأحد سوى أولئك الكرام من الفاتحين الذين أوصلوا إليها دين الله –عز وجل– أما غيرهم –مهما يكونوا– فهم الذين تشرفوا بـ”أرض الجهاد”، التي واجهت الإمبراطورية الإسبانية لمدة ثلاثة قرون، وهزمت أكبر امبراطور أوروبي في التاريخ الحديث، أعني الإمبراطور شارلكان، ووضعت أنف دوغول والإمبراطورية الفرنسية في الرغام.. وقد قصصتُ طرفا من أمجاد الجزائر على الشيخ الغزالي عندما رافقته في زيارته إلى مدينة تيزي وزو، فتأملني قليلا ثم قال: “لا أعرف قوما قصَّروا في جَنْبِ تاريخهم مثلكم.. وعليكم أن تدركوا أن هذه الأمجاد هي ليست لكم وحدكم، ولكنها للأمة الإسلامية كلها، فانشروها في العالم، وعرَّفوها للناس”..

إن الشيخ الغزالي بالنسبة لي هو ثاني اثنين من علماء المشرق العربي لهما مكانة عالية في قلبي، وقيمة غالية في عقلي، وقد خالطتُ كثيرا منهم، أما العالم الآخر فهو الشيخ عبد المجيد الزنداني، يَسَّرَ الله أمره..

لقد جاهد الغزالي بلسانه وقلمه، ولم تَلِنْ له في ذلك قناة، ولا وَهَنَ له عزم.. ولم يُجَامِلْ الكائدين للإسلام، المتربِّصين به، الخائنين له، وقد ظل صدَّاعًا بالحق، قاذفا به على جنود إبليس حتى أتاه اليقين.

وفي آخر لقاءٍ لي –رفقة الدكتور قسوم– مع الشيخ الغزالي، وكان في بيته بالقاهرة، استنكر ما اتهمه به أَرَاذِلُنَا من أنه كان ضليعا في الفتنة الجزائرية، وتحدَّاهم أن يبرهنوا على ذلك.

لقد أكرم الله –عز وجل– الشيخ الغزالي إذ جعل مرقده في روضة البقيع بالمدينة المنوَّرة، بالقرب من أَحَبِّ الناس إليه، سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

مقالات ذات صلة