-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“لا نرضى أن يكون علاج جرحانا من أرض عدوّنا”

سلطان بركاني
  • 1145
  • 0
“لا نرضى أن يكون علاج جرحانا من أرض عدوّنا”

يُروى أنّ شابا من بلاد الرّوم كان يعمل في الطبّ والجراحة، قدِم إلى القائد المظفّر عماد الدّين زنكي (ت 541هـ) رحمه الله، وأعلن إسلامه والتمس البقاء في بلاد المسلمين، فوافق نور الدّين على طلبه وأشار عليه أن يعكف على مداواة جرحى الجيش الإسلاميّ، ثمّ سأله: من أين تأتي بما تحتاج إليه من أدوية؟ قال: معظم الأدوية لا توجد إلا في بلاد الرّوم يا سيّدي! قال: “والله لا نرضى أن يكون علاج جرحانا من أرض عدوّنا”، وأمره أن يتدبّر أمر جلب الأعشاب التي تستخدم في الطبّ، لتغرس في بلاد الإسلام.

أقطعَ نور الدّين زنكي الطّبيب أراضي يزرع فيها كلّ ما تدعو إليه حاجة الطبّ، ثمّ فرّغ بعض الشّباب ليتعلّموا التّطبيب على يديه، حتى إذا ألمّ به عارض، خلفوه، فتمّ كلّ شيء –بإذن الله- وفق ما خطّط له عماد الدّين زنكي، ولمّا رأى الطّبيب الرّوميّ المسلم أنّ مهمّته قد اكتملت، استأذن في الخروج للجهاد، فكان له ما أراد، ليرتقي شهيدا بإذن الله.

كان نور الدّين زنكي يدرك جيّدا أنّ المسلمين لن ترفع لهم راية ولن تقوم لهم قائمة، إذا ظلّوا عالة على أعدائهم في طبّهم وصناعاتهم، وفي مطاعمهم وملابسهم، ورفضَ أن تكون للأعداء منّة على المسلمين في أيّ مجال.. لم يكن –رحمه الله- يرى حرمة التّعامل مع غير المسلمين في التّجارة، لكنّه كان يرى أنّ الكافر إذا أصبح يُظهر العداء للمسلمين وعُرف عنه السّعي في إذلالهم، فإنّه يتعيّن على المسلمين أن يظهروا له عزّة الدّين وأهله، ويُظهروا الاستغناء عنه في كلّ شؤون حياتهم.

هكذا فهم هذا الأسد المظفّر حقيقة الإسلام، بأنّه دين عزّ وتمكين، يحثّ أتباعه على السّعي الحثيث ليكون غيرهم عالة عليهم، ولا يكونوا عالة على من سواهم، ويرغّبهم في أن يكونوا هم الأمناء على كلّ ما يمكن أن تنتفع به البشريّة، لأنّ مبادئهم الرّاسخة تحرّم عليهم الغشّ والفساد في الأرض، على عكس الأمم الأخرى التي كثيرا ما تغلّب المصالح الضيّقة على المصالح العامّة، وما يشهده العالم في هذا الزّمان من تدخّل الأهواء والنّوازع في توزيع الغذاء وترويج الدّواء، خير مثال في هذا الصّدد.

لقد ذلّ المسلمون في هذا الزّمان وهانوا غاية الهوان، لأنّهم تخلّوا عن هذا الواجب الشّرعيّ، وارتضوا أن يكونوا عالة على غيرهم في مطاعمهم وملابسهم ودوائهم وفي كلّ ما يحتاجونه من أمور دنياهم، لتتحوّل بلادهم إلى أسواق مفتوحة لمنتجات الشّركات الغربية والشّرقية العابرة للقارات التي تفرض خياراتها، وتغرق أسواق المسلمين، ليس بما يطلبونه ويتّفق مع أولوياتهم وثقافتهم، وإنّما بما تصمّمه وتختاره لهم هذه الشّركات ومن يقف وراءها، والأدهى من هذا والأمرّ أن تتمادى بعض بلاد المسلمين ليس فقط في استيراد “خردة” ما تنتجه مصانع الغرب، ممّا يُمنع دخوله إلى البلدان الأخرى التي يهتمّ قادتها بمصلحة شعوبهم، ولكن –أيضا- في استيراد مناهج التعليم والتربية، وبعض قوانين الأسرة والأحوال الشّخصية، من الأمم الأخرى، دون مراعاة للفوارق الدينيّة والثّقافية!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!