الرأي

لا يطلبون العلم ولو.. في بيوتهم

يبدو أن وزير التربية الوطنية، السيد عبد اللطيف بابا أحمد ، سيخسر كل المعارك العلمية والتربوية التي حاول خوضها منذ توليه الوزارة التي تشرف على قرابة العشرة ملايين بين تلميذ وأستاذ، ليس لأن وزارته غير مؤهلة، وليس لأن الأساتذة منشغلون بالحقوق فقط، وليس لأن جيل التلاميذ الحالي ما عادت تهمه تربية ولا تعليم، وإنما لأن ما أفسده دهر من اللامبالاة تجاه هذا القطاع الهام، لن يصلحه كل عطاري البلد ولو اجتمعوا.

“الخرجة” الجديدة للأساتذة الذين وُجهت لهم الدعوة من طرف مديريات التربية لكل ولاية، ليدخلوا في دورات تكوينية علمية وبيداغوجية في مختلف الجامعات، برفضهم إياها جملة وتفصيلا، بحجج مختلفة، كأن قال أساتذة سطيف أن لا جدوى منها، لأنهم على مشارف التقاعد، واعتبرها أساتذة تبسة إهانة لهم بإرجاعهم إلى مقاعد الدراسة، هي نبتة لما غرسناه بالتعالي على العلم، ليس في قطاع التربية، وإنما في مختلف القطاعات التي لا يؤمن أصحابها بأن الإنسان مهما بلغ من مراتب، فإنه ما أوتي من العلم إلا قليلا، بدليل أن وزراء مزقوا عدة حقائب، وأبلوا عدة مقاعد، وبقوا لا يحسنون الكلام بأي لغة كانت، فما بالك أن يحسنوا العمل والعلم، وأكيد أن الأستاذ الذي “يتكبر” على التكوين والعلم بأي حجة كانت، فإنه سيقدم للتلميذ مشعلا لا شعلة فيه ولا نور، بل نارا قد تحرقنا جميعا.

في الجامعات تبدو المصيبة أكبر، فقد اخترعت مختلف المعاهد في إطار استنزاف أموال بالعملة الصعبة خصصتها الوزارة المعنية لما يسمى عندنا بـ”البحث العلمي والتكوين في الخارج”، حضور التربصات والأيام الدراسية في المملكة الأردنية الهاشمية، ولا تكاد تجد أستاذا جامعيا لم يزر الأردن  لحضور “ملتقيات فكرية”، حتى تكاد تجزم بأن الأردن هي القوة العلمية الكبرى والوحيدة في العالم، بينما يرفض كل من يجلس على مقعد مسيّر في الجامعة أن يعود إلى مقاعد الدراسة أو حمل كتاب قديم نسي بعض نظرياته، ولو من باب التذكير الذي ينفع المؤمنين.

 “الطريف المبكي”، أن بعض الخواص الذين حصلوا من الدولة على اعتمادات لافتتاح مدارس للتكوين عن بعد أو على المباشر، صاروا يبيعون الشهادات، لمن يدفع حتى ولو غاب عن أيام التكوين، ولا تهم الشاري في هاته الحكاية، سوى أن يملأ سيرته الذاتية بعدد من الوثائق التي يسميها هو بالشهادات، ولمن منحه الله بسطة من المال، قد يشتري منها ما يباع ما وراء البحار، والنتيجة جبال من الشهادات في كل القطاعات، ولا تلد لنا فأر تجارب علمية واحدا.

التكبّر على العلم من الجرائم الكبرى التي نقترفها في حق أنفسنا، فنحن ننوء عنه بجانبنا، ونحوّل وسائل التكنولوجيا لأجل اللهو والميوعة، ونغرق معارض الكتب بتعويذات السحر وإبعاد العين وعالم الجن فقط، والنتيجة هي جيل صار لا يطلب العلم في الهند ولا في الصين، بل لا يفتح له بابه إن طرق واستأذن، حتى ولو بات هذا “العلم” على عتبات بيته.

مقالات ذات صلة