الرأي

لقد أصبح الكفر مستحيلا

أرشيف

إن الفرق الحقيقي والجوهري بين الإنسان والحيوان هو الإيمان، فمن لم يهتد إلى الإيمان فهو والحيوان سواء ولو كان ذا علم، وذا مال، وذا سلطان، بل هو أضل من الأنعام، بل هو من أقبح الحيوانات. ألم يشبه الله – عز وجل- “الإنسان” غير المؤمن بالكلب، حيث قال – وهو الأعلم بما وبمن خلق -: “واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها، ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فمثله كمثل الكلب، إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث، ذلك مثل الذين كذبوا بآياتنا…”. (الأعراف. الآيتان 175-176).
وبصرف النظر عما جاء في التفاسير عن أسباب نزول هاتين الآيتين، وفيمن نزلتا فهما كما يقول شهيد الطغيان، سيد قطب، رحمه الله “مثل لكل من آتاه الله من علم الله فلم ينتفع بهذا العلم، ولم يستقم على طريق الإيمان، وانسلخ من نعمة الله ليصبح تابعا ذليلا للشيطان، ولينتهي على المسخ في مرتبة الحيوان”. (في ظلال القرآن. ج 3 ص 3981. ط. دار الشروق).
فالعلم – كما يقول الإمام محمد الطاهر ابن عاشور في تفسيره “التحرير والتنوير”- من شأنه أن يكون سببا للهداية والتزكية والارتفاع المادي والمعنوي، ولكن هذا الذي تتحدث عنه الآية الكريمة لم يستفد من العلم الذي آتاه الله، فكانت النتيجة عكس الارتفاع، وهو الإخلاد إلى الأرض، والتمرغ في الأوحال.
وهذا ما ينطبق على كل ذي علم شرعي أو غيره من العلوم، وتعبير القرآن عن عدم انتفاع “العالم” بعلمه بـ”الانسلاخ” يدل على أن “الكينونة البشرية متلبسة بالإيمان بالله تلبس الجلد بالكيان”، فإذا لم ينتفع بهذا العلم “يمسخ في هيئة الكلب”. (سيد قطب: في ظلال القرآن. 3/1396). ويدل على هذا التلبس قوله – عز وجل-: “وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم، ألست بربكم، قالوا بلى، شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين”. (سورة الأعراف 172).
دعاني إلى الخوض في هذا الأمر ما حدث منذ أيام قلائل من وفاة الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينغ، الذي – رغم “علمه” لم يهتد إلى الحق، وانسلخ من آيات الله التي آتاه، فأتبعه الشيطان، فعاش ما عاش مغترا بما علم من ظواهر الأمور، غافلا عن آيات الله المبثوثة في الآفاق وفي الأنفس، وفي كل ما خلق الله.
لم يكتف هذا الـ “ستيفن هوكينغ” بالغفلة عن آيات الله والعمى عنها، بل كان “مساعدا” للشيطان في الدعوة إلى الإلحاد والضلال. ولو أطعم الناس “المن والسلوى” حيث يجادل عنه “الضالون” مثله بأنه قدم للإنسانية خدمات.. فأجهل الجاهلين وأغبى الأغبياء وأضل الضالين هو من لم يهتد إلى الله رب العالمين..
وقد ذكرني هذا الـ “ستيفن” داعية الإلحاد، وحامل لوائه، ذكرني بما كتبه المفكر الفرنسي كلود تراسمونتان (ِClaude Tresmontant) (1925-1997)، الذي كان أستاذا في جامعة السوربون، ومؤلف كتاب “تاريخ الكون ومعنى الخلق”، وكان ملحدا قبل أن يقلع عن إلحاده ويعود إلى النصرانية المحرفة حيث كتب يقول: “لقد أصبح الكفر مستحيلا”. (مجلة العربي ع 433. ديسمبر 185)، لأنه يرى أن العلوم الحديثة خاصة علم الفلك والأحياء تقود إلى الإقرار بوجود الله.
وقد سألت الأخ عبد الوهاب حمودة – رحمه الله – ونحن ذاهبون صحبة ابنه – إلى برج الغدير عن أقرب ترجمة إلى اللغة الفرنسية لهذه الكلمة فقال: “ne croyez par est devenue impossible”.
” لماذا لم “يؤمن” كلود تراسمونتان، وقد اعترف “أن الكفر صار مستحيلا”، بعدما تبين الرشد من الغي بفضل هذا التقدم العلمي الرهيب، الذي سيزداد تقدما حتى تأخذ الأرض زخرفتها، ويظن الجاهلون أنهم قادرون عليها؟
ولهؤلاء نقول إن الهداية ليس مرتبطة بـ”العلم”، بل هي من توفيق الله – عز وجل- الذي يعلم من هو أهل لتلك الهداية، فييسره لها. وقد يكون هذا الـ “كلود” ممن ينطبق عليهم قوله – عز وجل-: “وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوّا”. (سورة النمل. الآية 14).
ورحم الله الشاعر المؤمن محمد إقبال إذ يقول:
إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الغناء لها قرينا
و”إن الدين عند الله الإسلام”، “ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين”.
فاللهم لك الحمد والشكر على نعمك التي لا تحصى، وأجلّها نعمة الإيمان بك، والإسلام لك، والاهتداء بنبيك محمد، وكفى بذلك نعمة. فاللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا.

مقالات ذات صلة