الرأي

لماذا لا يزور أبو مازن الجزائر؟

محمد يعقوبي
  • 5148
  • 16

الجزائريون يحبون ياسر عرفات حبهم لبومدين وجمال عبد الناصر، لأن روح الثورة تسري في عروق هؤلاء، عاشوا ينافحون عن فلسطين وماتوا على ذلك، لم يدسوا رؤوسهم كالنعامات في الرمال، في مواجهة أعاصير السياسة والحروب، بل كانوا في الصفوف الأولى حربا وسلما…

لسنا ننسى الطريقة التي مات بها ياسر عرفات محاصرا من بني جلدته قبل الصهاينة، ولولا أنه حمل فلسطين في قلبه واستحقت أن يدفع روحه فداء لها، لما سمموه وقتلوه بتلك الطريقة، وهو من هو، زعيما مقاوما ومفاوضا ومستوعبا لكل أبعاد قضيته.

سألت أحد الشخصيات الفلسيطينية الخبيرة بالعلاقات الجزائرية الفلسطينية، عن الفرق بين ياسر عرفات ومحمود عباس، ولماذا لا يزور هذا الأخير الجزائر، مثلما كان يفعل الزعيم في عهد الزعماء!

فقال لي إنه بعد صعود الرئيس بوتفليقة إلى رئاسة الجمهورية، طلب منه ياسر عرفات زيارة الجزائر، خاصة مع الصداقة التي كانت تربطهما، فلما قدم أبو عمار العاصمة، وكان مرفوقا بمحمود عباس أبو مازن، قيل له إن الرئيس ينتظره في قسنطينة التي كان يؤدي إليها زيارة تفقد، فحمل المناضل أبو عمار حقائبه متوجها حيث الرئيس، بينما لم يتحمل أبو مازن هذه الحركة، واعتبرها استخفافا به، ورغم ذلك تنقل مع أبو عمار وأقام في إقامة والي ولاية قسنطينة، في انتظار أن يفرغ الرئيس من أشغاله ويتفرغ لضيوفه، لكن مشاغل الرئيس طالت لساعات لم يتحملها أبو مازن، وتحملها بحب وحكمة أبو عمار، الذي قال إنه مستعد لانتظار بوتفليقة أياما بلياليها، مادام الأمر يتعلق بفلسطين، لكن أبو مازن ـ والعهدة على الراوي ـ انتفض وأساء التصرف مع الجزائر ومع رئيسه “أبو عمار” وقرر أن يحمل حقائبه عائدا من حيث أتى..

عندما فرغ الرئيس بوتفليقة لضيوفه، وجد المناضل أبو عمار ينتظر بدون كلل ولا ملل، محبا لهذا الوطن، وأهله صابرا على عناء السفر والانتظار، بينما عاد مرافقه إلى حيث لا نعلم، وربما إلى أوروبا سائحا أو أمريكا مخبرا.. طبعا وقع الموقف كان قويا على الرئيس وعلى الجزائريين جميعا، موقف أبو عمار المناضل الذي سخّر حياته لقضيته، وموقف أبو مازن الذي تعامل مع القضية الفلسطينية كشركة سياحية، مستفيدا من الرحلات المكوكية التي توفرها له القضية.. ومنذ ذلك الحين، ترفض الجزائر أن يطأ ترابها رجل من هذا الطراز، يعتبر قضيته مجرد رحلة سياحية.. عكس أبو عمار الذي كان يقول: “عندما يتعبني ويحبطني الاحتلال الاسرائيلي أزور الجزائر، وأتجول في شوارع ديدوش مراد وحسيبة بن بوعلي. – يقول أبو عمار- عندما أرى البنايات التي تركتها فرنسا في الجزائر، أدرك أن إسرائيل سوف تخرج يوما من فلسطين طال الزمن أو قصر”.

وبهذه المقاربة، فهمت الفرق بين أبو عمار وبين من يخلفونه اليوم في السلطة الفلسطينية، فما أحدثه أبو مازن في فلسطين بعد وفاة أبو عمار، يشبه إلى حد كبير ما أحدثه أبو جرة سلطاني في حمس بعد وفاة محفوظ نحناح، تقسيم وتشتيت للشمل وتسفيه للمشروع والقضية، ومقاولات على ظهر الشعب الفلسطيني، قسمت ظهره وضيعت حلمه، وجعلته ينظر إلى أمير قطر كأنه المخلص والمحرر، بينما تذهب المساعدات العربية ـ ومنها المساعدات الجزائرية ـ في حسابات أبناء المسؤولين في السلطة الفلسطينية، ليعبثوا بها في دبي أو مدريد، وسبحان الله جعل الطريقة التي يموت بها الزعماء مختلفة عن الطريقة التي يموت بها الجبناء تماما، من الإنصاف في الدنيا قبل الآخرة.. ولكن متى يمكن لحرائر الأمة أن يلدن لنا أمثال أبو عمار وبومدين وعبد الناصر.. سننتظر ونقول: رحم الله “أبو عمار” يا “أبو مازن”!!

مقالات ذات صلة