الرأي

لنقرأ الأفغاني والكواكبي من جديد

محمد سليم قلالة
  • 1352
  • 7

نكاد اليوم نعيش نفس إشكالية التغيير والإصلاح التي عاشها في نهاية القرن التاسع عشر كل من جمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي، إذ اتفقا على أن الأمر يتعلق بالاستبداد، إلا أنهما اختلفا في تحديد مصدره ومن ثم في كيفية مواجهته. الأول رأى أن أصل الاستبداد إنما يَكمن في الاستعمار ومن ثَم ينبغي الثورةُ عليه، أما الثاني فرأى أن أصل الاستبداد هو في السلطة العثمانية الحاكمة أنذاك، وعلينا تغيير أساليبها إذا ما أردنا تحقيق النهضة.

كلٌّ منهما انطلق من البيئة التي عاشها ومن الخلاصات التي خرج بها من خلال تجربته الشخصية.

الكواكبي عمل صحفيا ومحاميا وإداريا في حلب السورية في ظل النظام السياسي العثماني القائم، ورأى من داخل هذا النظام الذي عانى منه الويلات، كيف أن “الاستبداد السِّياسي” هو أصل الداء وأنه لا بديل عن إقامة “شورى دستورية” للتخلُّص منه، في حين انتقل الأفغاني بين أكثر من مدينة عربية وإسلامية وأوروبية، ولاحظ مكائدَ الاستعمار ومؤامراته على الدولة العثمانية، وكيف يرعى الاستبداد ويعمل على إجهاض كل محاولة للنهضة، ويسعى إلى تفكيك الدولة العثمانية ليسهل عليه السيطرةُ على أقاليمها الشاسعة. ولذلك كان هدفه الأول هو كيف ينبغي الثورة على هذا الاستعمار والتخلُّص من أذنابه وثقافته التي تَمنع توحيد الأمة الإسلامية وتريد الإطاحة بالخلافة الإسلامية.

ومن ثمَّ كانت نظرتُهما مختلفة لتحقيق نفس الهدف.

نكاد اليوم نعيش ذات الإشكالية بين التغيير والإصلاح الداخلي الذي ننشده، وآليات الاستعمار الجديد القديم التي تريد لنا تغييرا بشكل محدد في إطار قيمه ومنظومته الفكرية، حتى لا تتمكن الشعوب العربية والإسلامية من توحيد كلمتها ومواجهته وإعادة بناء حضارتها ووحدتها من جديد.

الكثير من دعاة التغيير الداخلي، لا يكتفون بإهمال دور العامل الخارجي (الغرب)، بل ويتحركون على خلاف رواد النهضة الأوائل ضمن منظوماته الفكرية؛ أي بدل الانطلاق من منظومتنا الفكرية المستمَدَّة من خبرتنا الحضارية، تجدهم يتبنون إطارا فكريا لحركتهم السياسية ضمن منظومة القيم الغربية (حقوق الإنسان، الأمن الإنساني، الحرية المُطلَقة، العلمانية… الخ)، مُعتبرين إياها قيما “عالمية” valeurs universelles لا علاقة لها بحضارة من الحضارات أو بمنظومة فكرية محدَّدة…

وهكذا بدل أن نستخلص الدروس من خبرة كل من الأفغاني والكواكبي وغيرهما، تجدنا لا نصل إلى مستوى إدراك لا هذا ولا ذاك. فقد تم إلى حد الآن وفي كافة البلاد العربية والإسلامية التي عرفت محاولات تغيير، إفراغ هذه المحاولات من محتواها الفكري ومن عمقها التاريخي ومن إطارها الحضاري، حتى أصبحت وكأنها فعلٌ بلا وعي، أو فعلٌ بوعي الآخرين، وهي أخطر حالة يمكن أن نجد أنفسنا فيها: أن تصبَّ محصلة جهدنا التغييري والإصلاحي، في مَصلحة الآخرين، وأن نكون في آخر المطاف معولا لهدم الذات، لا روافع لبناء الأمة في نطاق مشروعنا الحضاري الذي بدأه كل من الأفغاني والكواكبي ومحمد عبده وابن باديس وجسّده على أرض الواقع رموزُ حركتنا الوطنية وقادة ثورتنا التحريرية المظفرة.. لولا جهلنا بسنن التغيير وعدم استفادتنا من دروس التاريخ.

مقالات ذات صلة