الرأي

ليتهم يصمتون!

ليتهم يصمتون.. ليتهم يتقاضون مرتباتهم المنتفخة ويحصلون على الامتيازات والحصانة، ويأخذون ما لذّ وطاب لهم، ويُمتعّوننا بسكوتهم.. ليتهم يصومون صوم سيدنا زكريا عليه السلام، عن الكلام. فقد فضحنا “الفايس بوك” بخرجات هؤلاء الوزراء ورجال السياسة من موالاة ومعارضة، بما فيه الكفاية.
وزير للتعليم العالي والتكنولوجيا، يستصغر جائزة نوبل، ويراها مضيعة للوقت وللمال وللعقل، ووزير للصحة يتهم ضحية لدغتها عقرب، ويبرئ هذا الحيوان السام، ووزير للثقافة حوّل كل المهرجانات الدولية إلى محلية، وتقشّف أمام سنفونية ولوحة زيتية، وقبر فيلما صرفت عليه البلاد سبعين مليارا، ووزير للرياضة والشباب اقترح تنظيم كأس العالم مع بلد جار، هو في الأصل اختار حليفيه الأوروبيين من زمن طويل، وأمين عام للحزب الحاكم صارت خطاباته ضمن أكبر قاموس عالمي للضحك، ورئيس حزب يزعم الكرامة، يتحدى ألمانيا إن استطاعت فهم أفكاره وعبقريته، بعد ربع قرن.
في عقود سابقة، كانت الفضائح تموت في مهدها، ولا يزيد عمرها وجغرافياتها عن بسمة عابرة، فقد حمل حقائب وزارية رجال لم يدخلوا مدرسة واستندوا على تاريخ كفاحهم، فكانت الفضائح تتبخر قبل أن تفيض، ولكن في زمن تحوّل فيه العالم إلى قرية صغيرة، صارت فيه أي هفوة هنا، تجد صداها هناك، وأي تعليق تهكّمي على شخص جزائري هناك، يُحدث ألما هنا، ومع ذلك يصرّ هؤلاء على أن يتكلموا في وجع هزّ البلاد، بهذه الطريقة القبيحة، التي حوّلتنا إلى مسلسل “فايسبوكي” من حلقات لا تنتهي.
ليست الكوليرا وحدها التي تقتل في الجزائر، فقد قتل التيفوئيد والتسممات الغذائية وداء الكلَب والسل والالتهاب الكبدي، وليست العقارب وحدها التي تقتل فقد التهمت الكلاب المشردة ولدغت الأفاعي والجرذان أجساد الأطفال الأبرياء، وعاثت فيها ألما وحزنا، ولكن ما عاد يقتل الجزائريين ويُميتهم معنويا في اليوم آلاف المرات، هو هذه التصريحات الغريبة التي يطلّ بها يوميا هؤلاء، من الذين حملوا حقائب وزارية مهمة ارتبطت بالعلم والتكنولوجيا والثقافة، وبدلا من لملمة جرح غائر، زادوه إيلاما، وبدلا من حل مشكلة صحية عابرة، زادوها تعقيدا، وبدلا من كتم أنفاس حقودة، تتربص بالبلاد والعباد، منحوها فرصة التشفي بل والاستهزاء بوطن تجري من تحته أنهار من الخيرات، بعد أن جرت من تحته دماء البطولات.
إن كان القائمون على شأن البلاد لم يسمعوا بهذه المهازل التي انتشرت رائحتها في كل القارات فتلك مصيبة كبيرة، وإن كانوا على علم ويفضلون الصمت، فتلك مصيبة المصائب، وفي كل الحالات صار من الضروري تغيير هذا الفريق الذي خسر كل المباريات التي خاضها، أو على الأقل إجبارهم على الصمت، وليأخذوا ما شاؤوا من الخزائن.
ليتهم يصمتون.. ليتهم يتقاضون مرتباتهم المنتفخة، ويحصلون على الامتيازات والحصانة التي تنجيهم من غياهب السجون، ويأخذون ما لذّ وطاب من هذه الأرض السخية، ويرحموننا بسكوتهم، فقد قتلنا كلامهم بطريقة أبشع مما فعلته الكوليرا وفعلته العقارب.

مقالات ذات صلة