-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماذا يُراد بالمجتمع الجزائري؟

حسن خليفة
  • 796
  • 4
ماذا يُراد بالمجتمع الجزائري؟
أرشيف
عبد الرزاق قسوم

قبل سـنوات، وبالضبط في شهر سبتمبر 2014، بمناسبة انعقاد الجامعة الصيفية لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين قال رئيس الجمعية الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم بالحرف وهو يقدِّم عرض حال سنويا، كما هي العادة، في لقاءات الجمعية مع إطاراتها وأعضائها في اللقاءات الكبرى (المؤتمر، المجلس الوطني السنوي، الجامعة الصيفية…) قال بالحرف: «وجدت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين نفسها، بعد عودتها، في مواجهة فشل ألمّ بمجتمع يريد أن يعود إلى ذاته، التي زرعت بذورَها جمعيةُ العلماء، منذ أكثر من ثمانية عقود، فلا العربية تربّعت على عرشها، ولا الإسلام أخذ مكانته اللائقة به في منظومة البلاد السياسية والثقافية والتشريعية، ولا الجزائر تميزت في خارطة العالم الحضارية كما تميزت حركتُها الثورية الاستقلالية، وكما تميّز جهادها وجهدُها عن غيرها من حركات التحرير في القرن العشرين.».

أضاف الشيخ قسّوم: «وبدلا من أن يرى الجزائري استقلاله التام تجسّدَ في الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ارتدّ الجزائريون، على خلاف طبائع الأشياء، إلى بعث مناقشة الهُوية من جديد، ومناقشة لغة الشعب ومنظوماته الثقافية والتربوية، وكأنَّ جهاد الشعب الجزائري خلال ما يقاربُ القرنين من الزمان قد ذهب أدراج الرياح» (انتهى المقتبس من كلمة رئيس الجمعية).

لا شك أنها معاينة صادمة قاسية ومؤلمة مجتمع وشعب بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال واسترداد الحرية، كانت أثمانها باهظة وغالية جدا، لم يستطع استعادة ما تجب استعادته وبالأخص هُويته وقيّمه، ولم يتمكّن من تدبير شؤونه على النحو المرتضَى الذي هدف إليه الشهداء والمجاهدون وتطلعت إليه فئات الشعب الجزائري بكل قوّة وحماسة.

تُرى لماذا؟ الجواب: لأن لفيفاً من التغريبيين العلمانيين والشيوعيين التُّبّع، من وكلاء الاستدمار الغربي بشقيه الاشتراكــي الشيوعي ـ والرأسمالي التجاري الجشع.. وحُرَّاس ميراثه اندسّوا مبكرين في صفوف النخب الحاكمة، وصنعوا شبكات نفوذ قوية ومتشابكة ومعقدة، ومنعوا الشعب الجزائري، بكل الوسائل، من تحقيق آماله وتجسيد طموحاته.. أو على الأقل عملوا بخبث ومكر وغدر وخداع وتزوير، على تأجيل أحلام المجتمع الجزائري إلى حين.. أو إلى ما لانهاية.

لذلك وجد هذا المجتمع نفسه أمام ما يُشبه الانهيار التام والتمزّق الكبير في النسيج الاجتماعي والنفسي والعاطفي والديني، وجدَ نفسَه بعيدا عن أهدافه وغاياته ومطامحه، فلا النظام التربوي نظامٌ جزائري ذو نفَس أصالي إسلامي، وذو خلفية وطنية صميمة، ولا المنظومة الاجتماعية الأخلاقية منظومة قيْمية ذات ركائز إيمانية ودينية، ولا النظام الاقتصادي عادلٌ منصف يحقق الرفاهية والازدهار، ولا النظام السياسي يسير وفق التدبير الشوري الحكيم الراشد المنسجم مع طبيعة الإنسان الجـزائري المسلم، وينضبط بضوابط الدين والإيمان والعدل والأخلاق..

بالجملة كانت الخسائر كبيرة وجسيمة.. وقد اتضح ذلك في الآونة الأخيرة، عندما زُجَّ بالمئات من عناصر النخبة الحاكمة السابقة في السجون، وقد تكشّفت كثير من أسرار التسيير الكارثي الزبائني العائلي الإجرامي الذي شجّع الرذيلة والفسوق والفساد والإفساد، وحارب الفضيلة والرشاد والعفّة والأخلاق والنقاء والاستقامة والدين، وكانت تلك الحرب بكل الوسائل، مبـاشرة وغير مباشرة.

ونحن ننظر إلى هذا الواقع الكئيب المستمرّ معنا منذ سنوات، والذي يطبعه الانهيار والانحطاط والانكفاء والتراجع.. يمكن القول: إنه لا شيء تحقّق تقريبا مما يجب أن يتحقق من الأهداف والغايات الكبيرة الشريفة، والمطامح المشروعة، بل على العكس من ذلك شهدنا على مدار عقود رحلة تيهٍ وتخبّطٍ وتجريباً لمناهج من الشيوعية الحمراء الملحدة وشبه الملحدة، إلى الاشتراكية المصبوغة بصبغة التغريب والفرنسة، إلى مناهج حكم وإدارة تتغير وتتأرجح وتتبدّل حسب عقارب الأهواء والولاء لدى فئات متحكّمة متغلّبة، تعمل كوكيل معتمد لتيارات ونُخب حاكمة هنا وهناك، ترعى مصالحها وتقود البلاد في اتجاهات شتى، لكنها تتفق جميعها على إبعاد الإسلام بكل الوسائل من الحُكم، وإبعاد الشعب عن اختياراته الحرّة.

في هذا السياق نريد أن نتساءل عن دور النُّخب، بما في ذلك النخب المنضوية في هيئات وجمعيات ومؤسسات، وبالأخص منها النخب الجامعية، في مختلف التخصصات؟.

والسؤال هنا ضروري لتبيّن ما أدّتُه تلك النخب من أدوار ووظائف، وأيضا لتبيّن ما كان منها من تقصير وإهمال وقلة اهتمام أدّى إلى ما وصلنا إليه، ومحاولة التعرّف على أسباب ذلك.

ولقد تحدثتُ في مقال سابق عن “النخبتين السامة الفاشلة” (الشروق 2019).. ولكن أتصوّر أنه من الضروري بحث هذه المسألة (دور النخب) بشكل أكثر دقة وموضوعية، وأدنى إلى معرفة سبُل تجاوز هذه الأوضاع المزرية المزمنة بتفعيل أدوار تلك النُّخب بأي وسيلة كانت؟ لأنه لن يتغيّر الوضع إلا إذا قامت النُّخب بأدوارها، وأدت ما عليها من واجبات.

هل يمكن أن يشعر كل غيور وغيورة أن الأصل والواجب هو العمل وبذل الجهد والاجتهاد… وفي الاتجاه الصحيح، محافظة على أمانة الشهداء والمجاهدين ودفاعا عن الدين الذي يريد البعض ليس إبعاده فحسبُ، بل استئصال شأفته، والوطن الذي يريد البعض بيعه في أسواق المزادات العلنية والسّرية؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • العربي

    نحييك على هذا المقال الذي هو في محله تماما وكلامك صواب وفقك الله

  • محمد قذيفه

    أغلب النخب الجزائريه كانت نكبا عليها فلا بالدين والقانون التزموا ولا با لأخلاق والتقاليد اتسموا ولا بحب الوطن تمسكوا ألهتهم شهواتهم ومصالحهم وزمرهم عن عهد الشهداء وأمانتهم ، فما رعوا لذلك عهدا ولا ودا ، وتمت الكارثه بالعشرين سنة التي فككت كل شيء ، ، واليوم يجب على المخلصين من الشعب : إصلاح المنظومة التربويه ،إن صلحت سيصلح بعدها كل شيء

  • قل الحق

    الهوية لا تعرف بالعرق أبدا، الهوية هي ذلك المنهاج الذي يختاره المرء لنفسه باقتناع، هي فلسفة الانسان في الحياة حينما يسال نفسه السؤال الجوهري: لماذا انا موجود و ما هو دوري في هذه الحياة التي ستنتهي يوما لا محالة، ذلك الانسان الذي اقتنع انه من شطرين اثنين، روح و جسد، فأما الروح فسترقى الى برزخها و تخلد في جنتها ان كانت طيبة او في جحيمها ان كانت خبيثة، اما الجسد المكون من خلايا تحوي الجينات العرقية المكونة من جزيئات كيميائية مكونة بدورها من ذرات 99.9999 بالمائة منها فراغ، فمصيره الى التحلل لتندمج جزيئاته بجزيئات التراب فيصير ترابا، فيا لحماقة دعاة العرقية و جهلهم و تشبثهم بعرق لم يختاروه.

  • Karim

    ""أي سياسة تجهل المكونات النفسية و الاجتماعية للمجتمع محكوم عليها بالفشل الآكيد ""
    هذا ما يحدث في مجتمعنا
    طبقة سياسية مشبعة بالقيم الفرنسية تخطط لشعب هي بعيدة عليه كل البعد و تعيش منفصلة عليه تماما مثلما كان يعيش المستعمر في الجزائر.
    هذا هو سبب التخلف.