-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما الذي تغير في الجزائر؟

التهامي مجوري
  • 2840
  • 2
ما الذي تغير في الجزائر؟

26 سنة مرت على التحول من نظام الحزب الواحد، إلى نظام التعددية الحزبية أو التعددية السياسية، 1989/2015، كما مرت من قبل 26 سنة 1962/1988، على بناء الدولة الجزائرية على أنقاض النظام الاستعماري القديم، ومجموع ذلك 52 من السنين على تجربة الحركة الوطنية السياسية بعد الاستقلال، فماذا حققت يا ترى؟

وقبل هذه المرحلة، مرحلة أخرى، وهي مرحلة النضال التحرري، الذي استمر هو أيضا من 1920/1962، وهي مرحلة التأسيس للحركة الوطنية، التي انبثقت عنها ثورة شعبية، حققت الاستقلال السياسي عن استعمار دام 132 سنة  .

والتسوية بين المرحلتين، ما قبل الاستقلال وبعده غير واردة؛ لأن المرحلة الأولى، كانت في إطار مواجهة الاستعمار، اما المرحلة الثانية، فهي مرحلة تنمية في إطار بلد مستقل يتنافس أبناؤه على بناء الدولة وتحسين آدائها. ولكن عدم التسوية بين المرحلتين في التقييم، لا ينفي تقييم مستوى الأداء، في المرحلتين سلبا وإيجاب؛ لأن قوى الحركة الوطنية التي سيرت البلاد بعد الاستقلال، قد نشأت قبل الاستقلال، وحققت الكثير من إيحابيات التشبث بالقضية الوطنية، ببعديها الاصلاحي والاستقلالي.

مرت هذه التجربة الطويلة الممتدة على طول القرن تقريبا 1920/2015، بأربعة منعرجات أساسية وهامة، كان لها الأثر على الحياة السياسية وسيرورتها، في حياة الحركة الوطنية.

1. الالتقاء على المشروع الوطني، وهذا كان قبل الاستقلال بين الفئات العاملة

2. الانشغال بالثورة، حيث انصهر الجميع فيها وفي دواليبها

3. سيادة الاقصاء، بجميع صوره، من التهميش إلى الإزاحة والإزالة

4. العجز عن الإقصاء والتراوح

عندما نستبعد المزايدات الحزبية، التي تنفي عن منافسيها كل فضيلة من التقييم، نلاحظ أن رجال الحركة الوطنية، قد أجمعوا على مشروع وطني، يفصل الجزائر عن فرنسا، على تفاوت بينهم في التعبير عنه، فمنهم من عبر عن ذلك بضرورة الإصلاح الثقافي والاجتماعي والسياسي، ومنهم من كان يرى أن التصريح بالمطالبة بالاستقلال هو الأصل، وبأن ذلك لا يتحقق إلا عبر افتكاكه بقوة السلاح، ومنهم من لم يكن يرى عيبا في المطالبة بالحقوق، باعتبار أن الميثاق الاستعماري يقر حقوقا للمستعمَر على المستعمِر.

وعلى ما بين هذه التوجهات من اختلاف، فقد كانت تلتقي وتجتمع وتتحاور فيما بينها، من أجل الوصول إلى النقاط المشتركة التي تحقق الاستقلال، ومذكرات القوم ملأى بالشهادات في الموضوع، حول ما كانوا يتداولونه من أمور، التي أنتجت الاستقلال فيما بعد.

ولما اندلعت الثورة، التحق الجميع بها، ولعل من فضائل هذه الثورة أنها كانت شعبية، وتجاوزت جميع ما يمكن أن يعرقلها، واستعلت عن كل المثبطات، وعن القناعات الذاتية القاصرة، إلى القناعات الوطنية الكبرى.

لقد كانت هناك أخطاء وشكوك ونوايا تجاه أفراد وأحداث وقضايا، فيما بين الفئات العاملة، ومع ذلك كان الانشغال بالثورة وغايتها الكبرى، والاستقلال وما يترتب عنه، قد شغل الجميع بها وبأهدافها، عن كل ما يشينها.

اندلعت الثورة واستمرت سبع سنوات، وهي فترة غير كافية لمعالجة مرض عمره 132 سنة، وهو الاستعمار بجميع أبعاده، ومع ذلك اجتهد المجتهدون لتحقيق هذا الاستقلال بدحر الاستعمار واستبعاده من الساحة الوطنية، وبحكم ان المشروع الاستقلالي لم يكن ناضجا بالقدر الكافي، حيث لم يكن يهمه بالأساس إلا العاجل منه وهو الاستقلال بمعناه العسكري، فقد تحقق الاستقلال العسكري، وبقي العمل التنموي بعيد المدى، في المجالات المختلفة الاجتماعية والسياسية والتربوية، وربما كان التركيز على العدالة الاجتماعية كعمل شعبي آني، هو أبرز إنجازات الدولة الوطنية مع بدايات الاستقلال، اما على المستوى السياسي، فقد كان النظام أضعف من مستوى الثورة وإنجازاتها.

نشأ النظام السياسي في الجزائر بعد الاستقلال على الإقصاء؛ لأن القوى الوطنية في ظله كانت مصنفة وفق معايير، لا ترتقي إلى مستوى النضال، الذي كانت عليه قبل الاستقلال، معايير تلتقي على منطق العصب والولاءات الشخصية والعلاقات الفردية بين الفئات الحاكمة، وذلك ناتج -ربما- عن الخوف على الثورة، فأباح أصحاب القرار لأنفسهم بالتجاوز على أبجديات التعامل مع القوى الوطنية حماية للثورة وقيمها، ثم تحول هذا الخوف إلى منهج في الحكم، وهو إقصاء النخب لبعضها البعض، على أساس من ليس معي فهو ضدي؛ بل إن هذه القناعات لم تقف عند تصنيف الأفراد والتوجهات، وإنما تجاوزتها إلى الإدانة والتعريض بها، فمادة التاريخ في المدارس مثلا، تعرض لتيار الإصلاح عموما على أنه اندماجي ومبدأ الاندماج في الضمير الجمعي مدان مهما كانت مبرراته، والتيار الوطني هو التيار الاستقلالي مهما كانت نهاياته، فكان هذا التوجه سببا في تهميش الكثير من القوى السياسية الوطنية، وقد ظهر هذا التهميش في كثير من صور الصراع، التي ظهرت فيما بين السياسيين والعسكريين من خلافات، وفي الانقلاب على الحكومة المؤقتة، ومنع جمعية العلماء من العودة إلى النشاط، وانقلاب التصحيح الثوري، ومحاولة الانقلاب التي قادها الطاهر زبيري.

إن الغطاء الرسمي لهذا المنحى في بناء النظام السياسي وتعامله مع القوى الوطنية الاجتماعية السياسية، كان الحزب الواحد، الذي كان في حقيقته جبهة تجمع في ثناياها جميع التوجهات الوطنية السياسية، ولكن بحكم منطق الاقصاء الذي تشربته النخب في بلادنا، لم يكن السياسي يقدر على ممارسة حريته بصدق، وإنما كان الخوف والالتزام الحزبي هو المهيمن عليه وعلى مصير مواقفه.

استمر هذا الخط الاقصائي إلى غاية أحداث أكتوبر 1988، التي كانت عبارة عن انتفاضة على نظام فقد مبررات استمراره، حيث لم يعد يستطيع الاقصاء. ورغم أن النظام السياسي كان يحاول تدارك بعض الأخطاء، بإدماج سياسيين كانوا مهمشين من قبل، طيلة فترة حكم الشاذلي بن جديد رحمه الله، فإن التخلص من عقلية الإقصاء لم يرتق إليها النظام، وإنما آثر البقاء على نهجه، إلى أن جاءت أحداث أكتوبر، التي انبثقت عنها إصلاحات الانتقال من الأحادية إلى التعددية السياسية بدستور 23 فبراير 1989، فأقرت التعددية السياسية فيما يسمى بالجمعيات ذات الطابع السياسي، ولكنها تعددية إقصائية، لم تر بعد المجتمع مؤهلا لممارسة السياسية، ومن ثم لا تصلح له الأحزاب، وإلا فما معنى جمعيات ذات طابع سياسي؟ لو لم يكن هناك نية قولبة التعددية السياسية.

إن أحداث أكتوبر 1988، لا تزيد عن كونها معبر عن نهاية نظام، او على الأقل نهايته في القدرة على إقصاء خصومه، ولكن المشكل أن الساحة السياسية لم ترتق بعد إلى مستوى المشروع البديل للنظام السياسي القائم، فبقيت الحياة السياسية تراوح مكانها، لا النظام استطاع تهميش خصومه كما كان من قبل، ولا خصوم النظام استطاعوا تجاوز النظام في شيء؛ بل إن مشاريع المعارضة ومشاريع النظام أيضا، لم تستطع القفز على مشكلات الجزائر منذ أحداث أكتوبر 1988، وإلى اليوم 2015، لا تبدو محاولة جادة قادرة على إخراج البلاد من المحنة التي تعيشها، بسبب ما بين القوى السياسية من بقايا عقلية الإقصاء، رغم أن تصريحات الجميع تنفي إرادة الإقصاء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • مواطن

    لا يحتاج سؤالك إلى معرفة"سيدي خليل"لكن إذا كانت النية مجرد فذلكة والناس كلهم يعلمون ما يدور في دواليب ودهليز دولة الفسادالمقامة على أنقاض الهمجية والسطو على ما يمكن نهبه،يمكن القول والكل يكذب على جاره الكذاب أن الذي تغير كان مرتقبا إذ يحكى في قريتنا أن أحد"البهاليل" كان يمشي في الأسواق ويصرخ على الفتيان المتسكعين بعبارة"آ القواطة تربحوا".ذهب الاستعمار وأورثنا"خيراته"وصار من لا يفرق بين الألف واللام زعيما لشعب الغاشي يملك سيارة الكاتكات ويترك مذياعها ليتحفنا بأبشع الكلمات ولنتلقن ثقافته الماجنة

  • أيوب الصابر

    سبع( 07) سنوات لم تكن كافية ولكن الذين كانوا يلهثون خلف مصالحهم إستعجلوا الغنيمة و عقدوا صفقة "إيفيان "من وراء أظهر الشعب الذي خرج يحتفل بعدما أوهموه أنه نال استقلاله عن فرنسا فنال المتآمرون مانالوا وحصلت فرنسا على ما كانت تصبوا إليه "الحفاظ على مصالحها ومكتسباتها في الجزائروالتحكم في نظام ونمط الحكم وسيادة القانون واللسان الفرنسي من دون أي تكلفة" وواستمتع الشعب بالأناشيد الوطنية وأغاني عيد الكرامة وشرب الشعارت والوعود حتى الثمالة ومازال الكثير إلى يومنا هذا يؤمنون بالإستقلال...