-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

متحف الطفل : فضاء فريد للإكتشاف والإنفتاح على العالم

ماجيد صراح
  • 331
  • 0
متحف الطفل : فضاء فريد للإكتشاف والإنفتاح على العالم

متحف فريد من نوعه ذلك الذي يكتشفه الزائر لحديقة بيروت في شارع كريم بلقاسم بالجزائر العاصمة. في أعلى الحديقة التي تم تأسيسها عام 1936، ومن حيث يمكن للزائر أن يطل على وسط العاصمة وميناء الجزائر، سيجد بابا صغيرا مطلا على فناء فيلا ليس فيها ما يلفت النظر كتب عليها على لافتة صغيرة “متحف الطفل”.

للوصول لذلك المتحف دون معرفته مسبقا، يجب امتلاك فضول الطفل الذي يدفعه لفتح الأبواب من أجل الاكتشاف.

متاحف الطفل لا تعد بالعشرات، فهذا المتحف هو الوحيد في الجزائر وهو أول متحف من هذا النوع في إفريقيا والعالم العربي، ولمدة طويلة كان الوحيد أيضا قبل أن يتم افتتاح متحف الطفل في القاهرة عام 1986.

حين يقف الزائر على عتبة الباب سيتساءل عما سيجده داخل متحف الطفل هذا. فإذا كانت المتاحف معروفة بكونها تعرض أثارا أو أشياء ومعروضات ذات قيمة تاريخية أو ثقافية، فسيحاول التفكير فيما تخبؤه جدران هذا المتحف.

بعد أن تجاوزنا فناء البناية، استقبلتنا السيدة المرشدة وقدمت لنا القاعتين الموجودتين في المتحف وما تحتويانه بكل لطف وبيداغوجيا ودون أن تفارق الإبتسامة وجهها، فكما يبدو فقد طورت هذه المهارات من كثرة تعاملها مع الأطفال والإجابة على أسئلة الزوار حتى أكثرها براءة، فهي تعمل في هذا المجال منذ عديد السنوات كما يبدو.

ما سيجده زائر المتحف هو مجموعة من الدمى، لكن ليست أية دما، فكل دمية تحكي ثقافة، ولكل دمية قصة طويلة ترويها. ومنها حتى من أتت من دول لم تعد موجودة كالإتحاد السوفياتي وتشيكوسلوفاكيا.

ففي القاعة الأولى ستقابله في الوسط ثلاثة دمى كبيرة لفتيات يابانيات يرتدين اللباس التقليدي الياباني الشهير المسمى الكيمونو. هذه الدمى هي الأقدم في المتحف، حيث دخلت إليه مع افتتاحه عام 1964، تحيط بها عديد طاولات العرض التي يمكن للزائر أن يكتشف عبرها اللباس التقليدي لعديد البلدان الأوربية والإفريقية والعربية. كبلجيكا، روسيا، المجر، فرنسا، باكستان، السينيغال، سوريا، فلسطين وغيرها من البلدان.

سيلفت نظر الزائر أيضا يسار القاعة دمية طويلة من الخشب لبينوكيو، الشخصية المستوحاة من رواية للكاتب الإيطالي كارلو كولودي التي كتبها عام 1880. أسفل الدمية كتب “أنا بينوكيو وأنفي طويل لأني كذبت على أبي”. دمية بينوكيو صاحب الأنف الطويل هذه، أنجزها فنان إيطالي وأهدتها للمتحف السفارة الإيطالية بالجزائر عام 1965.

أما في القاعة الثانية للمتحف فيجد الزائر مجموعة من الدما والأعمال اليدوية المنجزة من قبل أطفال من الجزائر ومن بلدان أخرى مصنوعة يدويا من الخشب والعظام والورق وحتى برؤوس وأوراق نبتة الذرة. إضافة إلى نماذج مركبات من سفن وقطار.

كان أيضا للثورة الجزائرية وتاريخها نصيب في كل هذا. فمتحف الطفل يعرض على إحدى طاولاته، مجسما كاملا لمعركة من معارك المقاومة الشعبية ضد الإحتلال الفرنسي. بالإضافة إلى أوجه من المقاومة الشعبية الجزائرية مثل الأمير عبد القادر، لالة فاطمة نسومر، والشيخ بوعمامة، في شكل دمى مرتدية اللباس التقليدي الجزائري.

دمى مرتدية اللباس التقليدي الجزائري. صورة من صفحة المتحف

يمكن للزائر أيضا اكتشاف عبر دمى المتحف مختلف الأزياء التقليدية التي تزخر بها النقاط الأربع للجزائر، من بدرون، قويط، ملحفة، الملاية، لباس قبائلي، شاوي، تارقي، برنوس. دمى أبدعت في صناعتها أنامل السيدة لعباسي زهور وقدمتها للمتحف عام 2011.

إضافة لما في المتحف من معروضات قيمة، فحتى البناية التي تستضيفه هي كذلك ذات قيمة تاريخية. فبالبناية ذات طراز معماري موريسكي جديد. كانت بناية صغيرة تم منحها عام 1856 للصحفي والناشر الفرنسي لويس جوردان، الذي قام بإعادة بنائها على شكلها الحالي وسماها “فيلا الجبل الضاحك”.

البناية أهداها بعد ذلك إلى السيدة الفرنسية مارسال لالوي. لالوي التي تزوجت الإمبراطور الفيتنامي “هام نغي” في الجزائر عام 1904، اختفت بعد ذلك في ظروف غامضة ما جعل السلطات الفرنسية، تسترجع الفيلا وتحولها إلى متحف الفن والتاريخ عام 1933.

وهو المتحف الذي عرضت فيه التحف الأرستقراطية لكل من مارسال لالوي ولويس جوردن الذين عاشا في الفيلا، من أثاث وأواني خزفية ونحاسية، بالإضافة للوحات فنية تعود للقرنين الثامن والتاسع عشر، بالإضافة إلى قطع جلبت من مواقع حفريات مختلفة.

بعد الإستقلال، تم تجميع معروضات المتحف وتغيير اسمه إلى “المتحف الوطني للجبل الضاحك” عام 1962.

عام 1964، وباقتراح من الفنان التشكيلي محمد لوعيل، والذي كان زميلا للفنان محمد إيسياخم، تم تأسيس متحف الطفل وافتتحه وزير التربية الوطنية آنذاك. وتم تعيين محمد لوعيل محافظا للمتحف. وقد عمل المتحف آنذاك على إنتاج برامج للأطفال مرتبطة بالمتحف تبث على أمواج الإذاعة الوطنية، وجعل المتحف من وظيفته تطوير الرسم والموسيقى لدى الأطفال.

معروضات المتحف هي هبات وهدايا من المؤسسات الرسمية الثقافية الدولية وسفارات دول أجنبية موجودة بالجزائر، وهبات فنانين جزائريين، كذلك دمى وأشغال يدوية قام أطفال من دول عديدة بصناعتها وتمثل عادات وتقاليد تلك الدول.

ويحتوي المتحف على أكثر من 5000 قطعة من دمى وأشغال يدوية وأكثر من 400 رسم من إنجاز أطفال من الجزائر ودول أخرى من العالم، من هذه القطع ما هو معروض في قاعتي العرض ومنها ما هو موجود في المخازن. كما يضم أيضا مكتبة تحتوي قرابة 4000 عنوانا، من كتب للأطفال ولعامة الجمهور وبعديد اللغات.

متحف الطفل هذا هو الأول من نوعه في كل من العالم العربي وإفريقيا. اليوم لم يبق متحف الطفل الوحيد وذلك بعد إنشاء متاحف طفل في كل من مصر والأردن مثلا، لكنه يبقى المتحف الوحيد الذي يحمل قيمة ثقافية في معروضاته. فهو يمكن زواره من التعرف عبر معروضاته على ثقافات من 44 دولة أجنبية بالإضافة للجزائر.

المتحف يستقبل كذلك الأطفل المنخرطين فيه وذلك من أجل نشاطات في ورشات رسم وأشغال يدوية يشرف عليها مختصون. ويتم في ختام الدورات، تكريم المتفوقين وعرض منجزاتهم بالتعاون مع مؤسسات تربوية وثقافية. كما تستضيف أيضا أروقة المتحف معارض مؤقتة في المناسبات الدينية، الوطنية والثقافية.

أثناء تأسيسه عام 1964 كان متحف الطفل متحفا وطنيا، ليتحول منذ عام 1987 إلى غاية اليوم لمتحف تابع للديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية.

هذا المكان الهادئ، التاريخي والكتاب المفتوح على ثقافات بلدان وشعوب من الأربع قارات من العالم، هو وجهة مثالية لمن أراد مرافقة أطفال أو لم أراد فقط إيقاظ الطفل الذي في داخله…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!